"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
قبل أكثر من شهر، وقف مسؤول كبير على ظهر منصّة التنقيب Transocean Barents بعد إكمال رسوّها عند النقطة المحددة للحفر فوق حقل "قانا" في الرقعة رقم (9)، وقال على مسمع من كان حاضراً، إنه على استعداد لدعم فكرة أن يتولى "كونسورتيوم – Total Energies" أعمال التنقيب في كافة البلوكات الجنوبية، بما فيها الرقعتين (8) و (10).
فُهم من حديثه أنه يأتي من خلفية ضمان منح فرنسا "مكرمات" سياسية في لبنان لقاء أدوارها. في ما بعد، شكّل كلام المسؤول أساساً، ولاحقاً تبين أنه لم يأتِ من فراغ، لمسار جدي قد بدأ لمنح فرنسا – Total خيرات البحر الجنوبي، كمرحلة أولى، وأن توكل إلى الشركة الفرنسية، كمرحلة ثانية، مهمة تسويق الإنتاج اللبناني حين يتبيّن وجود اكتشاف تجاري.
يعني ذلك أن التصورات السياسية والمصالح الجيو-سياسية تتفوق في غالبية الأحيان، على التصورات التقنية وأهدافها. وللعلم، إن السياسة في لبنان مكرّسة في خدمة مصالح نخبة "الأوليغارشية" اللبنانية وليس العكس.
في ظل هذا الجو، نشأ جدل "تقني – علمي" حول أخطاء إضافية فادحة وقع فيها لبنان من جراء عدم تمديد دورة التراخيص الثانية -الممددة أصلاً- واتخاذ قرار بإغلاقها بعدما تقدم إليها فقط كونسوتيوم "Total Energies" الفرنسية، "ENI" الايطالية و "Qatar Energies"، بطلبي مزايدة على الرقعيتن (8) و (10) وذلك قبل ساعة من موعد الإقفال.
وقام الإعتراض في غالبه، على نظرية تقول إن بإمكان لبنان تحسين النسب والشروط والعائدات من جراء التلزيم، بسبب إنخفاض المخاطر التي كانت ناجمة عن الصراع الحدودي مع "إسرائيل"، بالاضافة إلى أن احتمال حصول اكتشاف تجاري في الرقعة رقم (9) يعزز من الشروط ويمنح لبنان أسبقيةً وأفضلية. وقال أصحاب النظرية إن بإمكان لبنان تمديد الدورة لتصبح مفتوحة ما يفسح في المجال أمام استقدام شركات أخرى.
في الغالب، من غير الجائز شمل جميع المتبنّين لحالة الإعتراض إلى دُعاة "التيئيس و الحرتقة"، ولا مجال للشك في دوافعهم، وأيضاً، لا مجال لإنكار وجود تحالف، يتألف غالباً من "تقنيين ومحلّلين"، ثمة شك يدور حول دوافهم من جراء تقديمهم مثل هذه الطروحات وتسويقها وترويجها، لفهمهم المسبق لديهم بطبيعة عمل الشركات واستهدافاتها.
عملياً، كان سبق لهيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، أن أجرت مسحاً شاملاً حول الشركات المؤهلة وذات المصلحة في الدخول إلى منطقة المتوسط. تضمّن المسح دراسة (شملت مراسلات) لشركات مرشحة للإهتمام باكتشافات غاز جديدة في البحر المتوسط ومدى استعدادها للعمل فيها. وبدا أن ثمة استحالة لاستقدام شركات جديدة، وأن جزءاً كبيراً منها يتجنّب العمل في لبنان بالرغم من مستقبل الإستكشافات الواعدة، وهذا من الأخطاء الشائعة التي وقعنا فيها من جراء إتفاقية "الترسيم" البحرية التي لم تتضمّن مقايضة واضحة ترفع الحظر "الغازي" الشامل عن لبنان. وعلى ما تبيّن يعود انكفاء الشركات –بالإضافة إلى الأسباب أعلاه- إلى سببين جوهريين.
الأول كونها غير راغبة للخوض في مجال الإستكشافات الجديدة لاسيما وأنها تخشى من مسألة المخاطر على الإستثمار، والثاني مركزية توجّهها صوب الإستثمار في مشاريع الطاقة المتجدّدة. وقد توصلت "الهيئة" بعد فترة من الدرس إلى نتائج واضحة، أظهرت توفّر 7 شركات عالمية فقط من أصل عشرات الشركات تبدي اهتماماً بالدخول إلى لبنان، وهي بالإضافة إلى "Total Energies"، "ENI" و "Qatar Energies"، شركتي "Chevron LTD" و "ExXonMobil" الأميركيتين، و "Energean" البريطانية – اليونانية، وبنسبة أقل شركة "Shell PLC".
فعلياً، لمست "هيئة إدارة قطاع البترول" أن الشركتين الأميركيتين "Chevron" و "ExXonMobil " لديهما خطط للعمل ضمن البحر المتوسط، لكنهم يحتاطون لأسباب متعددة من بينها إدراجهما لبنان على اللائحة الحمراء الخاصة بهما بفعل ما يسمّونه "إزدياد المخاطر الأمنية والسياسية الناجمة عن الصراعات الداخلية والخارجية". وتبيّن أن تعديل "التصنيف" يحتاج إلى مسار عمل طويل وشاق ولا بدّ أن يمرّ بالمؤسسات الأميركية. كذلك اكتشف في ما بعد أن الشركتين تحتاجان بدايةً، إلى موافقة رسمية أميركية من أجل العمل ضمن البيئة اللبنانية. ما زاد الأمور تعقيداً، أن التراسل الرسمي ما بين الشركتين و "الهيئة" انحصر غالباً، على مشاركة مندوبين عن "الهيئة" في مؤتمرات دولية في الخارج. وللمعلومة، ما تزال "ExXonMobil" وعلى الرغم من إبدائها اهتماماً ملحوظاً في الثروات اللبنانية مقارنة بـ"Chevron"، تتمنّع عن إرسال وفد "تقصي" إلى لبنان رغم الدعوات المتكررة له.
بالنسبة إلى شركة "Shell PLC" التي دخلت المنطقة بعد شرائها حقوق شركة bp البريطانية أحد الشركاء في حقل "أفروديت" القبرصي، فإن ما بلغته المعطيات، أكد أن الشركة أصلاً تُعاني من أزمات مالية متتالية، ثم أنها لا تبدي اهتماماً من أجل الإنضمام إلى أسواق أو مبادرات استكشاف في مناطق جديدة، وتفضل تطوير الإكتشافات السابقة. وهذا ينطلق من ضمن استراتيجية الشركة في الإستثمار أكثر في مشاريع الطاقة المتجددة.
عند هذه الجردة بقي في الميدان الفعلي 4 شركات: الكونسورتيوم الحالي + شركة "Energean". بالنسبة للأخيرة لا يرغب لبنان في التعاطي معها لأسباب تعود لأدوارها في الحقول الغازية داخل فلسطين المحتلة.
إلى ذلك تؤكد معطيات توفّرت لـ "ليبانون ديبايت"، أن وزارة الطاقة في مسألة التقديرات حيال مستقبل دورة التراخيص الثانية، فضّلت بناء خياراتها على دراسة هيئة إدارة قطاع البترول، لناحية صعوبة استقطاب شركات جديدة نتيجة التغييرات الجارية على استراتيجياتها، لتقرّر إغلاق دورة التراخيص الحالية. وفي اعتقادها أنها حققت جملة أهداف:
1. تأمين "كونسورتيوم" عامل في الرقع البحرية ولو أنه تقدم إلى الدورة قبل إقفالها بوقت قصير. تكمن الأهمية في أن "الكونسورتيوم" مستعد للعمل بصرف النظر عن ارتفاع أو هبوط نسب المخاطر، وبخلاف النتائج التي قد يحققها من جراء التنقيب في الرقعة (9).
2. ضرورة إغلاق دورة التراخيص الثانية المفتوحة منذ 4 أعوام، والممدد لها أكثر من مرة. ومن الأسباب التي أملت إغلاقها فقدان رغبة الشركات في التقدم إليها. وبحسب الرأي السائد، يحد إقفال "الدورة" من النزف في تصنيف الرقع اللبنانية.
3. الرغبة في فتح دورة تراخيص ثالثة، مستقبلاً، تشمل الرقع الأخرى غير الملزمة.
بحسب مصادر في إدارة قطاع البترول، فإن انضمام كونسورتيوم – "Total Energies" الفرنسية، "ENI" الايطالية و "Qatar Energies"، إلى دورة التراخيص الثانية من خلال تقديمهم عرضين منفصلين للرقعتين (8) و (10)، لا يعني أن التلزيم أُنجز بالفعل، بل ثمة مسار طويل من البحث، يحتاج بداية إلى درس العرض قبل البت فيه. ويعتقد خبراء ومتابعون، أن باب التفاوض اللبناني لتعزيز الشروط مع الشركات بالنسبة إلى العروض القائمة، ما يزال متوفراً، وتستطيع الدولة –وفق رأيهم- الدخول في تفاوض مباشر مع الشركات في شأن تعزيز الشروط المالية والتقنية حين يتوفر اكتشاف.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News