أنطونيو رزق
الأزمة الإنسانية الكارثية تتصاعد
يشهد شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، فصلاً جديداً من أخطر حروب أفريقيا التي تعود جذورها إلى تداعيات الإبادة الجماعية التي ارتكبت في رواندا المجاورة في تسعينات القرن الماضي، إذ تتقدّم حركة "أم 23" الكونغولية المسلّحة، التي تشكل إثنية التوتسي عمودها الفقري والمدعومة من النظام في رواندا، الذي تهيمن عليه إثنية التوتسي أيضاً، سريعاً في شرق الكونغو. سيطرت الحركة على مدينة غوما الاستراتيجية وتتوعد بالتوجه نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا، ما يُثير هواجس السكان المحلّيين والمجتمع الدولي، نظراً لتاريخ الجماعة الدموي في الكونغو، وبسبب قابلية الصراع للاتساع ليتحوّل إلى حرب إقليمية تغرق منطقة "البحيرات العظمى" في "أنهار من الدماء" والعنف اللامتناهي.
زُرعت بذور الصراع الحالي في شرق الكونغو بعد الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، التي ارتكبها النظام الرواندي الذي كانت تهيمن عليه آنذاك إثنية الهوتو بحق إثنية التوتسي، إذ بعد الإبادة، تغيّر النظام في رواندا وأصبحت إثنية التوتسي اللاعب الأساسي في السلطة، بينما فرّ عدد كبير من الروانديين التابعين لإثنية الهوتو إلى الكونغو، من ضمنهم بعض فلول النظام السابق المسؤولين عن الإبادة. منذ ذلك الحين، تدخلت رواندا في الكونغو الديمقراطية دورياً بأشكال مختلفة، متذرّعة بحماية أبناء إثنية التوتسي الكونغوليين في شرق الكونغو من النظام في كينشاسا ومن ميليشيات مكوّنة من إثنية الهوتو، وحماية أمنها من تهديد ما يُعرف بـ "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، التي تضمّ بعض المسؤولين عن الإبادة الجماعية والتي تنشط في المنطقة.
تأسّست حركة "أم 23" في عام 2012 وشنت سنتذاك هجوماً مماثلاً للهجوم الذي تشنه اليوم، حيث سيطرت على مناطق في شرق البلاد بدعم مباشر من رواندا، من ضمنها مدينة غوما التي سيطرت عليها هذا الأسبوع مرّة جديدة. لم تستطع "أم 23" الحفاظ على غوما طويلاً عام 2012، إذ خسرتها بعد مدة قصيرة إثر التعزيزات الكبيرة للقوات الكونغولية والقوات الأممية والأفريقية الموجودة في شرق الكونغو، فضلاً عن الضغظ الغربي على الرئيس الرواندي بول كاغامي، الذي اضطرّ إلى وقف دعمه لـ "أم 23"، ما شكل ضربة قاصمة للحركة التي أرغمت على الاستسلام والانسحاب من المناطق التي كانت قد سيطرت عليها.
أعاد كاغامي إنعاش "أم 23" عام 2021 ردّاً على تدخل أوغاندا المجاورة أيضاً في الكونغو، التي تتنافس فيها كامبالا وكيغالي على المعادن النادرة. ومنذ ذلك الحين، تتقدّم "أم 23" شيئاً فشيئاً في شرق الكونغو إلى أن شنت هجومها الأكبر الأسبوع الماضي بدعم مباشر من رواندا، ما أعادها إلى غوما بعد 13 عاماً من طردها منها. ولكن، يبدو أن الحركة لم تتعلّم من تجربتها السابقة، إذ كما حصل في عام 2012، بدأت "أم 23" بارتكاب تجاوزات خطرة بحق المدنيين، منها الإعدامات الميدانية، تجنيد الأطفال والاغتصاب الجماعي لعدد هائل من النساء، بحسب منظمات حقوقية. كما تسبّبت الحركة بتهجير مئات الآلاف من الكونغوليين، ما ضاعف من حدّة الأزمة الإنسانية الكارثية التي يُعاني منها أصلاً شرق البلاد.
انتهى هجوم "أم 23" عام 2012 بمزيج من القوة العسكرية، والضغط الدبلوماسي، خصوصاً الغربي، نظراً لمساهمة الغرب بشكل مؤثر جداً في الموازنة الرواندية عبر مساعدات واستثمارات مختلفة. ولكن اليوم، ستكون مهمة المجتمع الدولي أصعب لإنهاء هجوم الحركة الحالي، إذ يقول الخبير في شؤون الكونغو الديمقراطية جايسن ستيرنز إن "رواندا عرفت كيف تجعل من نفسها مفيدة جدّاً" للغرب والأمم المتحدة، بحيث تمتلك جيشاً مدرّباً تستخدمه كيغالي بدعم من الغرب لفرض توازن مع القوات الروسية التي تنشط في أفريقيا ولحماية الاستثمارات الغربية في المنطقة.
كما تعدّ رواندا من أكثر الدول التي ترسل جنوداً في مهمّات الأمم المتحدة. يبقى السؤال: هل سيسمح المجتمع الدولي لرواندا باجتياح الكونغو الديمقراطية عبر "أم 23" ومفاقمة الكارثة الإنسانية بسبب شبكة المصالح التي حاكها كاغامي بحنكة على مدى سنوات، أم أن مشاهد القتل والاغتصاب الجماعي وتجنيد الأطفال وتهجير مئات الآلاف ستوقظ الضمير العالمي كما فعلت عام 2012؟
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News