أثارت جريمة الطعن المميتة التي تعرّض لها مُصلٍّ مسلم في مسجد بفرنسا، انتقادات حادّة لمسؤولي الحكومة الذين لم يتعاملوا معها في البداية كجريمة كراهية محتملة، ولم يُظهروا درجة القلق نفسها التي أبدوها حيال هجمات مميتة أخرى، بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" وترجمته "عربي21".
تعرّض الضحية، أبو بكر سيسيه، البالغ من العمر 21 عامًا ومن أصول مالية، لعشرات الطعنات صباح الجمعة أثناء صلاته في مسجد في لا غران كومب، وهي بلدة صغيرة جنوب فرنسا، على بُعد حوالي 80 كيلومتراً شمال غرب أفينيون.
وأفادت وسائل إعلام فرنسية بأنّ المشتبه به الرئيسي، الذي صوّر نفسه واقفًا فوق الضحية، سُمع وهو يتفوّه بعبارات بذيئة بحق الذات الإلهية في مقطع فيديو نُشر عبر تطبيق "سناب شات".
في البداية، أشار مدعٍ عام محلي – في ما تبيّن لاحقًا أنه خطأ – إلى أن جريمة القتل نجمت عن شجار بين مُصلّين. غير أنّ المدعي العام عبد الكريم غريني صرّح، يوم الأحد، في مقابلة تلفزيونية، بأنّ التحقيق جارٍ في الجريمة بوصفها "عملًا معاديًا للمسلمين" أو "فعلًا يحمل دلالات معادية للإسلام".
وأضاف غريني أنّ التحقيق يشمل كذلك دوافع أخرى محتملة، من بينها "الهوس بالموت، والرغبة في القتل، والسعي لتصنيف القاتل كقاتل متسلسل".
وصرّحت سيسيل جينساك، المدعية العامة في مدينة نيم، يوم الاثنين، بأنّ المشتبه به فرّ إلى إيطاليا قبل أن يسلّم نفسه يوم الأحد إلى مركز شرطة في مدينة بيستويا القريبة من فلورنسا.
وتم تحديد هوية المشتبه به على أنه مواطن فرنسي من أصل بوسني، من مواليد 2004، ولم يكن معروفًا للشرطة سابقًا، ولم تُعلن أي تفاصيل إضافية عن خلفيته أو مواقفه، وفق التقرير.
ولم يُعد حتى الآن إلى فرنسا، وقد يستغرق تسليمه أسابيع قبل توجيه أي تهمة جنائية إليه.
من جهتها، قالت أميناتا كوناتي بون، المتحدثة باسم جماعة "سونينكي" العرقية التي ينتمي إليها الضحية، خلال مؤتمر صحافي جمعها مع عائلته يوم الثلاثاء: "إنها جريمة معادية للإسلام، إنها عمل إرهابي، واليوم نحن خائفون". وأضافت: "غدًا، ماذا سيحدث؟ هل سيطرقون أبوابنا لقتلنا؟ هل ستبدأ مطاردة للمسلمين؟".
وأشار التقرير إلى أنّ الجريمة وقعت في اليوم التالي لعملية طعن أدّت إلى مقتل فتاة في مدرسة ثانوية بمدينة نانت، على يد طالب مفتون بهتلر. وقد أثار ذلك الهجوم ردًّا حكوميًا سريعًا، ما دفع منتقدين إلى اتهام السلطات بازدواجية المعايير.
ونشر برونو ريتيلو، وزير الداخلية الفرنسي المحافظ، منشورًا عبر مواقع التواصل يوم الهجوم على المسجد، عبّر فيه عن دعمه لعائلة الضحية وللمجتمع المسلم.
لكن على عكس ما حدث في نانت، حيث زار الوزير مسرح الجريمة بعد ساعات، لم يزر المسجد مباشرة، بل سافر يوم الأحد إلى مدينة أليس القريبة، حيث التقى المدعي العام المحلي ورؤساء بلديات المنطقة.
كما لم يعلّق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الجريمة إلا يوم الأحد، وكتب عبر مواقع التواصل: "أُعرب عن دعم الأمة لعائلته ولمواطنينا المسلمين".
وأضاف: "لن يكون للعنصرية والكراهية القائمة على الدين مكان في فرنسا. حرية العبادة مصونة".
وقال يورو سيسيه، ابن عم الضحية، لوكالة "فرانس برس" يوم الثلاثاء، إنّ أيًا من المسؤولين لم يتواصل مع العائلة. وأضاف: "نريد أن نشعر بالأمان؛ فرنسا بلد نحبه. نريد أن نُعامل كأي شخص آخر".
ووفقًا لدراسة أجراها المعهد الوطني للإحصاء عام 2023، يُشكّل المسلمون 10% من سكان فرنسا، وقد ازداد عددهم في وقتٍ يزداد فيه عدد من لا ينتمون إلى أي ديانة، ما يجعل الإسلام ثاني أكبر ديانة في البلاد.
وتحافظ فرنسا على نموذج خاص من العلمانية يُعرف باسم "laïcité"، والذي يضمن حرية الضمير وحياد الدولة وبعض المؤسسات العامة. لكنّ هذا النموذج غالبًا ما يدخل في توتر مع المسلمين، إذ أثارت الملابس الإسلامية، مثل الحجاب والعباءات، جدلًا مستمرًا ومحاولات متكررة لحظرها.
وقال حكيم القروي، وهو مستشار أعمال مسلم ومؤلف كتاب "الإسلام، دين فرنسي": "الحد الأدنى الذي يمكن قوله هو أن السلطات كانت بطيئة في ردّها على الجريمة". وأضاف: "الوقوف إلى جانب المسلمين ليس أمرًا مألوفًا حين تكون سياسيًا في فرنسا".
وسار حوالي ألف شخص في صمت في لا غران كومب يوم الأحد تكريمًا للضحية سيسيه، فيما أشارت وسائل إعلام فرنسية إلى أن غياب السياسيين أثار استياء البعض.
كما نُظّمت تظاهرة أخرى في اليوم نفسه في ساحة الجمهورية بباريس، بدعوة من سياسيين وجمعيات يسارية.
وقال جان لوك ميلينشون، زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري، خلال التظاهرة: "هذا العنف نتيجة مناخ معادٍ للإسلام متجذر منذ أشهر". واعتبر أنّ عدم زيارة وزير الداخلية للمسجد "أمر غير مفهوم".
ويوم الثلاثاء، التزمت يائيل براون بيفيه، رئيسة الجمعية الوطنية، دقيقة صمت في مجلس النواب حدادًا على سيسيه، رغم أنها أشارت إلى عدم التوصل لاتفاق بين كبار المشرعين حول ذلك.
وقال جبريل سيسيه، عم الضحية، إنه صُدم من التغطية الإعلامية وردود أفعال السياسيين، مضيفًا أن ابن شقيقه "كان شخصًا اجتماعيًا، وكان مصدر أمل لنا جميعًا".