يوضح العميد المتقاعد منير شحادة في حديث إلى "ليبانون ديبايت" أن ما رأيناه من سقوط صاروخ فرط صوتي على مطار بن غوريون هو تطور لافت يعكس تصاعد القدرات العسكرية اليمنية. فهذا الصاروخ الباليستي فائق السرعة سقط في منطقة قريبة من المطار، رغم انتشار منظومات دفاعية متعددة الجنسيات في البحر الأحمر، مرجحًا أن الصاروخ ليس من طراز فلسطين 2 أو قد يكون نسخة مطورة منه، تمكن من تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية، بما فيها منظومة 'ثاد THAAD' الأميركية الحديثة التي فشلت في اعتراضه.
ومن الناحية التقنية، يوضح العميد شحادة أن مدى سرعة هذه الصواريخ اليمنية يبلغ بين 13 و16 ماك، متجاوزة بذلك قدرات منظومة "ثاد"، المصممة للتعامل مع تهديدات تصل إلى 8 ماك فقط. وهذه الفجوة في القدرات تفسر عجز المنظومات الغربية عن التصدي لها.
ورغم تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن الواقع الميداني، وفقًا للعميد شحادة، يكشف عن فشل استراتيجي واضح. فشلٌ لم يقتصر على إسرائيل فقط، بل طال أيضًا البحرية الأميركية التي تقود تحالفًا دوليًا في البحر الأحمر، بمشاركة بوارج بريطانية وفرنسية.
ويؤكد أنه رغم الغارات الجوية الأميركية المكثفة على اليمن، لم تتمكن واشنطن من تقويض القدرات الصاروخية اليمنية، التي لا تزال تنفذ عمليات دقيقة في عمق الأراضي المحتلة وتستهدف سفنًا حربية في البحر الأحمر. وقد أجبرت بعض القطع البحرية الغربية على التراجع شمالًا نحو قناة السويس، في خطوة وُصفت بأنها انسحاب اضطراري أمام تصاعد التهديدات اليمنية.
ويرى أنه في ظل استمرار فشل الحلف البحري الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة وتشارك فيه بريطانيا وفرنسا، في التصدي للصواريخ اليمنية، بات واضحًا أن الضربات الجوية الإسرائيلية ضد اليمن تحمل طابعًا دعائيًا أكثر منها عسكريًا. إذ تُستهدف الموانئ وخزانات النفط والبنى التحتية، في حين تبقى القدرات العسكرية اليمنية بمنأى عن التأثير المباشر، وهذا العجز أظهر أن الحل المتاح أمام واشنطن وتل أبيب ليس خيار الغزو البري، وهو خيار مستبعد تمامًا في الحالة اليمنية، نظرًا لتعقيد الجغرافيا وخبرة المقاتلين المحليين، ما يجعل أي تدخل بري شبه مستحيل.
وفي ظل هذا المأزق، تحولت الأنظار نحو إيران، كما يؤكد شحادة، حيث تسعى إسرائيل لتحريض الولايات المتحدة على الدخول في مواجهة مباشرة معها، بهدف وقف الدعم الإيراني لمحور المقاومة، وبشكل خاص الدعم اليمني لغزة.
ويشير إلى أن الهدف الاستراتيجي الأبرز لإسرائيل لا يزال يتمثل في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهو خيار لا تستبعده تل أبيب حتى من دون دعم أميركي صريح. وفي الوقت نفسه، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن عن استئناف المفاوضات النووية مع إيران عبر سلطنة عمان، إلا أن هذه المحادثات سرعان ما توقفت بسبب تعقيدات متعددة.
ويوضح أن فشل هذه المفاوضات كان متوقعًا، حيث إن أي اتفاق نووي أميركي–إيراني جديد من شأنه أن يرفع العقوبات عن إيران ويُفرج عن أكثر من 120 مليار دولار من أصولها المجمدة، ما قد يؤدي إلى انتعاش اقتصادي يعزز من قوة الشارع الإيراني ويحيي محور المقاومة في الإقليم.
هذا الواقع، بتقديره، يتعارض مع المصالح الأميركية في المنطقة، ما يجعل من الصعب إتمام اتفاق نووي جديد، ويفسح المجال لتصعيد عسكري. من هنا، يعتقد أن إسرائيل تسعى للحصول على ضوء أخضر أميركي "من تحت الطاولة" لتنفيذ ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية، خاصة بعد الضربات الصاروخية اليمنية الأخيرة التي طالت العمق الإسرائيلي، والتي قد تُستغل كمبرر لفتح جبهة جديدة ضد طهران.
وتشير المعطيات الميدانية والسياسية، وفقًا للعميد شحادة، إلى أن إسرائيل تقترب من اتخاذ قرار استراتيجي بضرب إيران، في محاولة لحل أزمة باتت مستعصية بالنسبة لها، خصوصًا في ما يتعلق بالصواريخ اليمنية التي تستمر في إغلاق المجالين الجوي والبحري الإسرائيليين، وسط عجز الحلف البحري الدولي عن التصدي لها.
وبرأيه فأن أي ضربة إسرائيلية سترد عليها إيران فورًا، ما سيجبر الولايات المتحدة على التدخل العسكري المباشر، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام حرب إقليمية واسعة، لا يمكن التنبؤ بمداها أو مآلاتها.
في السياق الفلسطيني، يلفت إلى أن غزة تتعرض لقصف عشوائي يومي يستهدف مخيمات النازحين، في ما يبدو أنه محاولة إسرائيلية لإيصال رسالة إلى الدول العربية مفادها: "إذا لم تستقبلوا الغزيين، سنقضي عليهم بأرضهم". وقد جاء هذا التصعيد بعد فشل محاولات التهجير التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورفضها كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني، لذلك تريد إسرائيل القضاء على الغزيين بالنار أو التجويع من دون أن يسأل عنها أي نظام عربي أو غربي.
ويؤكد أن إسرائيل تواجه أزمة حقيقية في تنفيذ أي عملية عسكرية برية داخل غزة، إذ أفادت تقارير بتوقيع مئات الضباط والجنود الإسرائيليين على وثائق ترفض العودة إلى القتال داخل القطاع، في ظل الخسائر اليومية التي تتعرض لها القوات الإسرائيلية نتيجة الكمائن والقنص والعبوات الناسفة التي تنفذها فصائل المقاومة الفلسطينية.،في المقابل، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، اختارت الاستمرار في سياسة القصف المتواصل على غزة، بهدف إبادة الفلسطينيين وتصفية قضيتهم ببطء، عبر ما يشبه الإبادة "بالتقسيط". لكن ذلك سيؤدي حتماً إلى مقتل مزيد من الأسرى الإسرائيليين في غزة.
ويشدّد على أن جبهة لبنان ستبقى بحالة "ستاتيكو"، بما يعطي إسرائيل الحق باستهداف الجنوب وربما الضاحية ساعة تريد، كما الحال في غزة، بانتظار المرحلة الثانية المتعلقة بتقسيم سوريا والضربة لإيران.
ويذكر بتغريدة له متوقعًا فيها ضربة قريبة لإيران، إذ أصبح علاج الوضع في اليمن بالنسبة لأميركا وإسرائيل معضلة. لذلك، فإن الرأي الإسرائيلي يرى أن الحل يكمن في ضرب "الرأس المدبر" لمحور المقاومة، وهو إيران، لتحريض أميركا على هذه الضربة لإشعال حرب في المنطقة تمكن إسرائيل من التوسع والقضاء على الشعب الفلسطيني، وهو ما يراه قريبًا.
وتسعى إسرائيل، وفق تقدير العميد شحادة، إلى استغلال أي حرب شاملة لإعادة رسم خرائط المنطقة. فمشروع تقسيم سوريا، إذا تحقق، سيساهم في تفكيك المشرق العربي، ما يتيح لإسرائيل التوسع بشكل غير مسبوق، مستغلة حالة الفوضى والحرب الشاملة.
من هذا المنطلق، يعتبر أن الضربة الإسرائيلية المتوقعة لإيران لم تعد مجرد احتمال، بل باتت خيارًا مطروحًا بقوة على الطاولة، باعتبارها "ضرب الرأس" في معادلة محور المقاومة، فبعد أن تحوّلت اليمن إلى معضلة عسكرية، باتت تل أبيب تعتبر طهران المصدر الأساسي للقوة التي تعيق استراتيجيتها في غزة والبحر الأحمر.