وفي هذا يرى الكاتب والمحلل السياسي غسان ريفي أن "بداية هذه الانتخابات، سواء التي حصلت في جبل لبنان أو تلك التي ستجري في الشمال وفي بيروت، شابتها خديعة سياسية واضحة"، موضحًا أن "الخديعة الأولى تمثّلت في الجدل القائم حول تنظيم إجرائها من عدمه من قبل الدولة، حيث تمّت دعوة الهيئات الناخبة قبل شهر فقط، في حين أن القانون ينصّ على ضرورة دعوتها قبل 90 يومًا، ما يتيح الفرصة الكاملة لنسج التحالفات وتنظيم الوقت وتحضير النفس لخوض المعركة الانتخابية".
ويشير ريفي إلى أن "عملية التحضير للانتخابات جرت على عجل، ضمن ما يُشبه عملية سلق، ولم تُتح فيها الفرصة الكافية لتشكيل تحالفات جدية أو تنظيم اللوائح بشكل سليم"، مضيفًا أن "الخديعة الثانية جاءت من قبل التيارات السياسية نفسها، والتي أعلنت أنها لن تتدخل في الانتخابات، لكنها في الحقيقة تلطّت خلف لوائح العائلات أو تلك التي شكّلتها في السر، تحت شعار: تنجح تنجح معك، وتخسر تخسر وحدك".
ويتابع: "لقد رأينا ذلك في جبل لبنان حيث لم يجرؤ أي حزب أو تيار سياسي على دعم لائحة بشكل صريح، باستثناء بعض المدن التي خاضت معارك واضحة كجونية وغيرها، لكن في غالبية القرى والبلدات، سواء على المستوى البلدي أو الاختياري، لم يُعلن أي تيار دعمه العلني لأي لائحة أو مرشح".
ويلفت انه فور صدور النتائج، بدأت البيانات تتوالى من التيارات السياسية، للإعلان عن فوزها، ومن ثم بدأت عمليات احتساب الأصوات، وهذا النهج انسحب على مختلف القوى مثل القوات اللبنانية، والتيار الوطني الحر، والكتائب، وحتى بعض الشخصيات النيابية المستقلة".
ويؤكد أن "هذا الأسلوب يبدو مستمرًا أيضًا في الشمال، حيث تتلطى التيارات خلف اللوائح وتدعمها سرًا، وذلك لأننا أمام استحقاق نيابي مقبل، والسياسيون يخشون من أن تؤدي الخسارات في البلديات إلى تأثير سلبي مباشر على نتائجهم النيابية".
ويشدد ريفي على أن "من يعتبر أن الانتخابات البلدية تُمهّد تلقائيًا للانتخابات النيابية، فهو مخطئ"، مذكرًا بأنه "في انتخابات عام 2016 البلدية، فاز العديد من الأطراف واكتسحوا، لكنهم لم يوفقوا بعدها في الانتخابات النيابية التي جرت عام 2018".
ويرى أنه من الطبيعي اليوم، أن تسعى التيارات التقليدية لتثبيت حضورها في مناطقها من خلال الانتخابات البلدية، لكننا نرى جميعًا التراجع الكبير الذي أصاب كل هذه القوى، ولهذا فإنهم يحاولون استثمار النتائج بعد صدورها انتخابيًا".
ويشير ريفي إلى أن "هناك مواد سياسية جديدة يسعى البعض إلى استغلالها في إطار التحضير للانتخابات النيابية، أبرزها موضوع التمثيل المسيحي في بيروت، حيث يبدو أن بعض التيارات المسيحية لا تريد الحفاظ على المناصفة، بل تسعى إلى خلق واقع جديد يُمكّنها من امتلاك ورقة سياسية تحريضية ذات طابع طائفي، بهدف استنهاض الشارع المسيحي واستمالته انتخابيًا".
وتابع: "في هذا السياق، يُطرح موضوع تقسيم بيروت إلى بلدية مسلمة وأخرى مسيحية، وهو ما يدخل في إطار تأجيج المشاعر الطائفية، تمامًا كما تفعل بعض التيارات المسيحية في الشمال التي تحاول إثبات حضورها عبر البلديات والمخاتير، مع الإشارة إلى أن كثيرًا من هذه القوى تفضّل الاستثمار في موقع المختار أكثر من البلدية، لأنه استثمار رابح أكثر، في ظل الإفلاس الحاصل وضعف قدرة البلديات على العمل، خصوصًا بعد تراجع الدعم من قبل الـ NGOs والمنظمات المانحة".
ويعتبر أننا أمام مشهد سياسي واضح، حيث تسعى القوات اللبنانية إلى استثمار التغييرات التي حصلت لتؤكد أنها الأقوى مسيحيًا، بينما يحاول التيار الوطني الحر أن يُقنع الجميع بأنه لم يتراجع وأن نفوذه لا يزال قائمًا، رغم كل ما يُقال. أما الكتائب اللبنانية، فقد أعلن رئيسها سامي الجميل بأن الحزب توسع على المستوى البلدي وأصبح لديه رؤساء بلديات كتائبيون في أكثر من مكان".
ويختم: "حتى البيئة الشيعية في جبل لبنان أكدت، من خلال أصواتها، التزامها الكامل والثابت بالثنائي الشيعي، أي حركة أمل وحزب الله، حيث لم نشهد أي معركة جدية أو اختراق يُذكر من أي من التيارات أو القوى المستقلة الأخرى".