خاص ليبانون ديبايت

باسمة عطوي

باسمة عطوي

ليبانون ديبايت
الجمعة 09 أيار 2025 - 10:27 ليبانون ديبايت
باسمة عطوي

باسمة عطوي

ليبانون ديبايت

محاصرة إقتصاد "الكاش" مطلب دولي بأبعاد إقتصادية سياسية..هل سينفذه لبنان قريبا؟

محاصرة إقتصاد "الكاش" مطلب دولي بأبعاد إقتصادية سياسية..هل سينفذه لبنان قريبا؟

"ليبانون ديبايت"-باسمة عطوي



ليس جديدًا القول إن القضاء على اقتصاد "الكاش"، أو بأحسن الأحوال العمل على ضموره إلى حده الأقصى، هو أحد أبرز المطالب الإصلاحية التي يرفعها صندوق النقد والمجتمع الدولي بوجه لبنان قبل إتمام الاتفاق معه. لكن الجديد في هذا الملف الشائك بالنسبة للمسؤولين اللبنانيين، هو أنه حانت ساعة الحقيقة لتطبيق هذا الإصلاح، والدليل ما نُقل عن مسؤولي الصندوق في اجتماعات الربيع التي انعقدت الشهر الماضي، أنهم غير متحمسين لتوقيع اتفاق مع لبنان ما دام هذا المطلب لم يتحقق، ولن تشفع كل الإصلاحات الأخرى التي ستقوم بها حكومة الرئيس نواف سلام (تعديل السرية المصرفية، إعادة هيكلة المصارف، قانون الفجوة المالية) في ثني الصندوق والمجتمع الدولي عن التمسك بتطبيق هذا الإصلاح، ليس فقط بسبب مفاعيله الاقتصادية، أي محاربة تبييض الأموال، ودخول لبنان في دورة الانتظام المالي العالمي من جديد، بل أيضًا لدوره الأساسي في تطبيق القرار الدولي 1701 ومحاربة تمويل الإرهاب.


إذ ينقل أحد المصرفيين لموقع "ليبانون ديبايت" أن "سفراء الدول الخمس يتابعون عن كثب إجراءات الحكومة المتعلقة بإنهاء اقتصاد الكاش وبإقفال "القرض الحسن"، الذي يُصنَّف على أنه أبرز الأدوات الاقتصادية التي يستند إليها حزب الله، للحفاظ على مكانته السياسية والعسكرية والشعبية على خارطة القوى اللبنانية.


الكاش: أكثر من نصف حجم الاقتصاد الشرعي


بلغت تقديرات البنك الدولي لحجم اقتصاد "الكاش" في لبنان 55 بالمئة من الناتج المحلي، أي 12.7 مليار دولار أميركي من أصل 22 مليار دولار هو حجم الاقتصاد اللبناني بعد الانهيار. وهذه المليارات "الكاش" لا تتقاضى وزارة المال الضرائب عليها، بحكم أن من يتعامل بـ"الكاش" لا يصرّح عن حجم تداولاته إلا في الحالات التي تتطلب تسجيلًا في الدولة (شقة أو سيارة...)، وفي هذه الحالة يتم تسجيل العملية على سعر أقل من السعر الحقيقي.

انطلاقًا من هذا الرقم، تخسر خزينة الدولة أموالًا طائلة تُقارب ملياري دولار أميركي سنويًا بحسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين، وهو ما يشكّل ضغطًا كبيرًا على مالية الدولة، التي التجأت إلى رفع الضرائب على الاقتصاد الشرعي لسدّ حاجاتها وحاجات القطاع العام، مع ما لذلك من ضرر على النمو الاقتصادي.


عوائق تقنية تعيق محاصرة اقتصاد الكاش


قبل الدخول في نقاش آلية تطويق "اقتصاد الكاش"، تمهيدًا إلى تجفيف منابعه بسبب أضراره على الاقتصاد الشرعي، لا بد من الإضاءة على عوائق "تقنية" قد تحول دون تحقيق هذا الهدف سريعًا، علمًا أن القطاع المصرفي ملتزم باللوائح المالية العالمية المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.


فإلى جانب غياب الثقة بالمصارف نتيجة الأزمة المندلعة منذ 6 سنوات، وتسويف الطبقة السياسية والمصرفية في إيجاد حل لها، هناك عوائق تبدأ بانخفاض عدد الحسابات المصرفية في البنوك من 1.5 مليون حساب عام 2019، إلى نحو 700 ألف حساب بداية عام 2022، الأمر الذي دفع المواطنين إلى الاعتماد على "الكاش" أو شركات نقل الأموال، كبديل عن المصارف في معاملاتهم المالية.


العائق الثاني يتمثل بعمل نسبة كبيرة من المؤسسات التجارية في السوق اللبناني بشكل غير رسمي، من دون التسجيل في الضمان الاجتماعي، ولا تحصل على الأوراق القانونية والرخص من الجهات المعنية، مما يجبرها على التعامل بالكاش بدلًا من الشيكات أو بطاقات الاعتماد.


العائق الثالث هو أن الصرافة غير الشرعية لا تزال موجودة، عبر الصرافين الجوالين في العديد من المناطق اللبنانية أو عبر خدمة التوصيل المنزلي، بحيث تتم العمليات النقدية من دون ضوابط وخارج أي رقابة رسمية، كما أن سعر الصرف قابل للتفاوض بما يناسب الطرفين.



أما العائق الرابع فهو عمل مكاتب المحاماة وتجار العقارات والتجار والمستوردين، الذي لا يزال خارج نطاق الرقابة، ما يني أن الإصلاح المالي يتطلب إصلاحًا شاملًا للنظام ككل. كما أن الخبراء يشددون على ضرورة إقرار نظام ضريبي موحد، وتعزيز جباية الجمارك والضرائب بشكل يتناسب مع الحجم الحقيقي للأموال المتداولة، بدلًا من تحميل الطبقات الفقيرة وحدها أعباء الضرائب.


الكاش موجود قبل الأزمة


تجدر الإشارة أيضًا إلى أن الاقتصاد اللبناني، قبل الانهيار في 2019، لم يكن "الكاش" غائبًا عن تعاملاته المالية، إذا ما قورن بحجم التعاملات السائدة في الدول المتقدمة التي تستخدم البطاقات والتحويلات المصرفية.


إذ تشير الإحصاءات إلى أن اللبنانيين الذين كانوا يملكون حسابات مصرفية قبل العام 2019، لا تتجاوز نسبتهم 40 في المئة من اللبنانيين، وربع هؤلاء مقيمون خارج لبنان وغير لبنانيين، فضّلوا إيداع أموالهم في المصارف اللبنانية.


في حين أنه في بلدان قريبة مثل تركيا وإسرائيل وبلدان الاتحاد الأوروبي، فإن 95 في المئة من السكان لديهم حسابات مصرفية. وبحسب الخبراء، فإن شيوع اقتصاد الكاش أدى إلى خلق روابط وذهنيات وتبادلات ضيّقة ومنكفئة بين اللبنانيين، في ظل خراب في مؤسسات الدولة وانفلاش الأزمات وعدم القدرة على السيطرة عليها منذ ست سنوات.


علمًا أن مصرف لبنان حاول خلال العام 2022 الحد من انفلاش هذا الاقتصاد، فأصدر تعميمًا رقم 165 بهدف فرض شروط جديدة على الشيكات والعملات الأجنبية، وذلك لتشجيع عودة النشاط المصرفي والحد من الاقتصاد النقدي، لكن الخبراء سجلوا أن من نتائج هذا التعميم كانت تخزين حوالي 3 مليارات دولار من الودائع في المصارف، مع تشديد هذه الأخيرة على ضرورة تقديم ضمانات وأدلة على مصدر الأموال المودعة، بهدف القضاء على الشكوك المتعلقة بتبييض الأموال.


الخوري: لا يمكن تجفيف الكاش من دون استعادة الثقة


بناء على ما تقدم، يشرح الخبير الاقتصادي وعميد كلية الإدارة والأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري لموقع "ليبانون ديبايت"، أن "تجفيف اقتصاد الكاش لا يمكن أن يُفهم كمجرد إجراء تقني أو إداري، بل هو عملية مُركّبة تتقاطع فيها الأبعاد القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكل منها يفرض معادلاته الخاصة.


من الناحية القانونية، يتطلب الحد من تدفق الأموال خارج النظام الرسمي تعديلات واضحة تطال قوانين العقارات، لا سيما فيما يتعلق بفرض الدفع عبر القنوات المصرفية لأي عملية بيع وشراء تفوق حدًا معينًا"، مشددًا على أن "هذا يجب أن يكون مقترنًا برقابة صارمة على السجلات العقارية ونقل الملكية، لأن أي فجوة بين القانون والتطبيق تُبقي الباب مفتوحًا أمام الاقتصاد الموازي (غير الشرعي). كذلك الأمر في قطاع التجارة، خصوصًا تجارة الجملة والمستوردات، حيث تُشكّل الفواتير الوهمية وغموض التسعير بيئة خصبة للتلاعب. لا يمكن مواجهة ذلك إلا من خلال نظام فوترة إلزامي إلكتروني ومترابط مع دائرة الضرائب والجمارك، يكون مفروضًا على الجميع دون استثناء".


يضيف: "أما على صعيد المؤسسات، فإن أي إصلاح إداري دون رقمنة عميقة سيبقى سطحيًا. المؤسسات العامة بحاجة إلى أنظمة رقمية تراقب التدفقات المالية، تدمج معلومات التراخيص، الضرائب، سجلات العمل، وحتى الفواتير، بما يسمح ببناء قاعدة بيانات متكاملة يمكن عبرها تتبع النشاطات المشبوهة. لكن الرقمنة وحدها لا تكفي، فهي بحاجة إلى إرادة سياسية جادة ومجتمع مؤسسي مهني قادر على تنفيذ القانون من دون محاباة".


لا يمكن القضاء على "الكاش" نهائيًا!!


هل يمكن القضاء فعلاً على اقتصاد الكاش؟ يجيب الخوري: "لا بشكل مطلق. التهريب والأنشطة غير المشروعة ستظل تبحث عن منافذ، لكن الهدف الواقعي ليس القضاء التام، بل الحدّ الذي يُخرج تلك الأنشطة من موقع التأثير في الاقتصاد الكلي. في دول عديدة، بما فيها اقتصادات ناشئة، يُشكّل الاقتصاد غير الرسمي بين 20 بالمئة و30 بالمئة من الناتج، وهذا تُقبل به حتى المؤسسات الدولية كصندوق النقد، طالما أن الدولة تعمل على تقليصه تدريجيًا وتحجيم أثره على السياسات العامة"، جازمًا بأن "المهم ألا يكون هذا الاقتصاد ملاذًا لغسل الأموال أو تمويل الفساد السياسي، وهو ما يتطلب تعاونًا دوليًا في تتبع مصادر التحويلات، وتعزيز أدوات التبليغ المالي المشترك. غير أن السؤال الأكثر حساسية يظل في العلاقة بين تجفيف الكاش والإصلاح المصرفي. من الصعب فرض التخلّي عن الكاش إذا لم تكن هناك ثقة فعلية في القطاع المصرفي".


ويسأل: "كيف يمكن لمواطن أو تاجر أن يعتمد حصريًا على المصارف، إذا كان يخشى على ودائعه أو إذا كانت الرسوم والعمولات تفوق طاقته؟ لذلك فإن أي محاولة لتجفيف الكاش لا بد أن تواكبها إصلاحات مصرفية جذرية، تبدأ من الحوكمة والشفافية، وتصل إلى استقرار سعر الصرف وضمان الودائع وإصلاح نموذج الربحية المصرفي. لا يمكن لمصرف مشلول أن يكون جسراً بين الإقتصاد الرسمي وغير الرسمي، ولا يمكن لشخص أن يخضع لقواعد رقابية صارمة إذا لم يشعر بأن النظام يخدمه كما يُحاسبه".


ويقترح الخوري عملية قابلة للتطبيق لتقليص حجم الكاش، أولها "فرض الدفع المصرفي الإجباري في القطاعات ذات الخطر العالي مثل العقارات والسيارات والذهب، ثانيها إنشاء نظام فوترة إلكتروني موحد ومربوط ضريبياً، ثالثها تقديم حوافز ضريبية واضحة للمسجلين في النظام الرسمي، رابعها إصلاح المصارف لتكون ملاذاً آمناً وميسّراً لكل الشرائح، مع إعادة هيكلة الأطر التنظيمية التي تشجع على استخدام النقود خارج النظام". ويختم:"بكلمة واحدة:لا يمكن تجفيف الكاش من دون إستعادة الثقة أولاً، ولا يمكن بناء الثقة من دون عدالة وشفافية في النظام الإقتصادي ككل".

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة