يؤكّد النائب بلال الحشيمي، في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت"، أن "كلمة سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية تحمل أبعادًا دينية، وأيضًا أبعادًا تتعلّق بالشأن الوطني والسياسي، وخصوصًا في هذه اللحظة الدقيقة التي نعيشها حاليًا".
ويقول: "من المعروف أنه بعد انتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة، طُرحت مسائل مرتبطة بالشراكة الوطنية، وكانت رسالة مفتي الجمهورية واضحة تمامًا في التأكيد على وجود توازن وطني يقوم على الشراكة بين المقامات الدينية والطوائف، وهذا شرطٌ أساسي لقيام الدولة التي ننتمي إليها ونعيش في ظلّها، وبناءً عليه، لا يمكننا كطائفة سُنّية أن نقبل بأن نكون مهمَّشين، كما لا يمكن لأي مكوّن آخر، مسيحيًّا كان أو غيره، أن يقبل بذلك. فالدولة في لبنان لا تُبنى بلا مسلمين ولا بلا مسيحيين، وهذا أمر محسوم. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن هناك نوعًا من التهميش يُصيب الطائفة السُنّية، ونحن بالتأكيد لا يمكن أن نقبل بهذا الواقع".
ويشدّد على أن "خطاب سماحة المفتي كان واضحًا، أي تهميش أو إقصاء للطائفة السُنّية هو أمر مرفوض بالمطلق، فاليوم، هناك شعور بالقلق لدى أبناء الطائفة، وهذا الكلام ليس جديدًا، وقد عبّر عنه سماحة المفتي سابقًا، وتحديدًا في مرحلة انتخاب رئيس الجمهورية، كنّا منفتحين على انتخاب الرئيس جوزيف عون، وأيّدنا تكليف الرئيس نواف سلام، لكن في الوقت ذاته قلنا أننا سننتظر ونُقيّم وعود الإصلاح، وإلى اليوم، ما زلنا نرى أن الأمور لم تتغيّر، فالإصلاحات لم تتحقق، والتعيينات ما زالت تخضع للمحاصصة، والانهيار الاقتصادي مستمر".
ويضيف: "للأسف، ما زلنا نسير ببطء شديد جدًا، وهذا أمر محبط، اللبنانيون يشعرون اليوم بخيبة أمل كبيرة بعدما وضعوا ثقتهم بالعهد الجديد وبرئاسة الحكومة، لكن تبيّن أن الدولة لا تزال تسير بالنمط ذاته الذي كانت عليه سابقًا، دون أي تغيير جوهري".
ويُوضّح أن "خلاصة الموقف هي أن مفتي الجمهورية لا يتحدث عن نفسه كمرجعية دينية فحسب، بل كمقام وطني راسخ في الدولة، فهو يُدرك أن موقع مفتي الجمهورية ليس فقط دينيًا، بل أيضًا سياسيًا ووطنيًا، ومن خلال خطابه الأخير، وجّه رسالة واضحة تعبّر عن صوت الطائفة السُنّية في الحياة السياسية، هذه الرسالة موجهة إلى العهد، وإلى رئيس الحكومة نواف سلام، ولكل النواب والقيادات السُنّية، وتُؤكّد على ضرورة التكاتف من أجل وضع حد لحالة الإقصاء التي تتعرض لها الطائفة".
ويرى الحشيمي، أن "الرسالة أيضًا واضحة في مضمونها، هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، وحقوق مكوّن أساسي مثل الطائفة السُنّية لا يمكن المسّ بها أو تخطيها،هذا ما يعكسه الواقع الذي نعيشه اليوم، وهو ما يجب أن يكون واضحًا للجميع،
ويتابع: "لقد بدا جليًا أن الحكومة تواصل العمل بمنطق التباطؤ، والوعود التي أُطلقت لم تُترجم إلى خطوات عملية، ومن الطبيعي أن يكون موقف دار الفتوى إزاء هذا الواقع موقفًا مسؤولًا، خصوصًا في ظل هذا التهميش المتكرّر الذي تعرّض له موقع رئاسة الحكومة، ونحن نعلم أن موقع رئاسة الحكومة يملك صلاحيات دستورية واضحة، كما له مكانته في اتفاق الطائف، لكن ما يحصل اليوم يُظهر تجاهلًا متعمدًا من قبل البعض، ويطرح علامات استفهام حول نية بعض الأطراف في تغييب هذا الموقع ودوره، فعلى سبيل المثال، عندما قام رئيس الجمهورية بدعوة بعض الجهات لمناقشة الوضع الأمني والإقليمي، جراء الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، جاءت الدعوة منقوصة، إذ لم يُدعَ رئيس الحكومة، ولم يُعقد مجلس الدفاع الأعلى بصيغته القانونية، أي بمشاركة رئيس الحكومة ووزرائه المختصين، حفاظًا على منطق الدولة، والتزامًا بالدستور، ومنعًا لأي انزلاق في الفوضى أو تجاوز للصلاحيات".
ويقول: "نحن اليوم بحاجة إلى وحدة وطنية حقيقية، وإلى تنسيق كامل بين المقامات الدستورية، وخصوصًا بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وإذا استمرت التحديات، أو تطورت الأمور إلى تصعيد أكبر، فإن من الأفضل أن تكون هناك ترتيبات واضحة وصريحة من قِبل رئيس الجمهورية، تضمن عدم حصول أي خلل أو تصادم بين الرئاسات، وتعيد التأكيد على احترام موقع رئاسة الحكومة كركن أساسي من أركان الدولة".
وحول دور رئيس الحكومة في حماية مصالح الطائفة السُنّية، يلفت إلى أن "رئيس الحكومة يعمل ضمن إطار الدستور والقانون، ولا يخرج عنهما. ولكن في المقابل، هناك شعور عام لدى الطائفة السُنّية بأن رئاسة الجمهورية تتصرف اليوم كما تصرّفت بعض العهود السابقة التي مرّت علينا، تلك التي قامت على تهميش الدور السُنّي، وإقصاء مقام رئاسة الحكومة، هذا الشعور حقيقي، وليس مجرّد رأي شخصي أو مبالغة من أحد، بل يعكس موقفًا واسعًا داخل الطائفة، وهو ما عبّر عنه المفتي بوضوح، وما يردّده الكثيرون اليوم".
ويختم الحشيمي: "أنا لا أتحدث فقط من باب الانفعال، بل أقول الأمور بصراحة ومسؤولية، في هذه المرحلة بالذات، من الضروري أن نحافظ على تماسكنا، وأن نمنع أي خلل بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة".