المحلية

placeholder

المحرر السياسي

ليبانون ديبايت
الأحد 20 تموز 2025 - 07:09 ليبانون ديبايت
placeholder

المحرر السياسي

ليبانون ديبايت

هل يدرك المسيحيون خطورة ما ينتظرهم؟

هل يدرك المسيحيون خطورة ما ينتظرهم؟

“ليبانون ديبايت” – المحرر السياسي


في لحظة مفصلية من تاريخ المشرق، تُباد مدن وقرى، وتُستهدف طوائف بأكملها، وتُفجَّر الكنائس، ويُقتل كهنتها، ويُسفك دم المصلّين على مذابح دور العبادة، في مشهد يعيدنا إلى قرون من الظلام. في المقابل، تبدو القيادات المسيحية في لبنان وكأنها قررت الانكفاء التام، في لحظة تُعيد فيها المنطقة صياغة وجودها الجغرافي والديموغرافي والديني، وتُرسم خرائط النفوذ الإقليمي على أنقاض التوازنات التقليدية التي حكمت هذا الشرق على مدى قرن من الزمن.


ما يثير القلق أن هذه النخب تتعامل مع الواقع وكأنه أزمة عابرة لا تمسّها، وكأن النار التي تلتهم الجميع لن تصل إليها. وهذا ليس سوء تقدير فحسب، بل عمًى استراتيجيًا وأخلاقيًا في لحظة تتطلّب أعلى درجات الوضوح، والتماسك، والتفكير الوجودي.


في السويداء، تُرتكب مجازر ممنهجة ضدّ الموحدين الدروز، على يد نظام فقد شرعية الدولة، وبات يمارس عنفًا لا يختلف عن أكثر التنظيمات تطرّفًا. يُذبح الناس، وتُخطف النساء، ويُهان الشيوخ، من دون أن يجرؤ أحد على تسمية الجريمة. في لبنان، تلتزم المرجعيات الصمت، بما فيها المرجعيات الروحية والسياسية المسيحية، وكأن ما يحدث لا يدخل في حسابات الانتماء إلى مصير مشترك.


وفي الجنوب، يتكرّس مشروع إسرائيلي واضح المعالم، لا يهدف فقط إلى الردع العسكري، بل إلى تفكيك المجتمع، وضرب التوازنات الديموغرافية، وتفريغ الأطراف من سكانها. إنها سياسة الإبادة الهادئة، التي لا تُقابل بردّ سياسي على المستوى الوطني، ولا بتحرّك استثنائي يرقى إلى حجم الخطر.


لكن، مقابل هذه الكوارث، لا ينشغل البعض سوى بالمهرجانات، والاحتفالات، والمظاهر الباذخة التي باتت تعبّر عن انفصالٍ كامل بين الطبقة السياسية والواقع الميداني. في عزّ الأزمات، يُنظَّم عرس لنجل مصمّم أزياء بملايين الدولارات، ومهرجان ضخم تحت جنح أرز الرب، وكأن البلاد خرجت من الانهيار وباتت في مرحلة التعافي.


هذه السلوكيات ليست مجرّد قلة وعي، بل نمط من الإنكار الجمعي الذي يضع المجتمع في مواجهة نكبته المقبلة. فقد تحوّلت بعض النخب المسيحية من منتِج للفكر والمقاومة إلى مستهلِك للمظاهر والاستعراض، غير مدركة أن انكفاءها عن المساحات الوطنية الكبرى، وعدم انخراطها في مواجهة الانهيار، يجعل منها شاهد زور على سقوط بلدها، ولاحقًا ضحية من ضحاياه.


النكبة الآتية ليست احتمالًا، بل نتيجة مسار طويل من التخلّي: تخلٍّ عن الدور، وعن الشراكة، وعن المعنى الحقيقي للوجود المسيحي في لبنان، كعنصر توازن لا كشاهد على تراجع القيم والدولة معًا.


المسيحيون في لبنان لا يُهدَّدون فقط من الخارج، بل يُفرَّغون من الداخل، لا بفعل الحروب وحدها، بل بفعل تراكم الانسحاب الطوعي من الفعل السياسي الجاد، والموقف الجريء، والتفكير الوطني الصلب.


من نكب مسيحيي العراق وسوريا لم يكن فقط سيف التطرّف، بل كذلك تواطؤ الصمت، وهشاشة القيادة، وغواية المال. واليوم، لبنان يسير في المسار ذاته، لكن ببطء… وبصمت أشدّ خطورة.


المجتمعات التي تتخلى عن ذاكرتها، عن مقاومتها، عن عمقها الأخلاقي، لا تختفي فجأة، بل تتآكل بهدوء. ومن يتنكّر اليوم لتاريخه، لن يملك غدًا أيّ مستقبل.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة