نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالًا للكاتب ديفيد إغناتيوس سلّط فيه الضوء على الواقع المأساوي في قطاع غزة، حيث وصف الحرب المستمرة منذ قرابة عامين بأنها "لا تترك مجالًا لالتقاط الأنفاس"، بل "تراكم المآسي يومًا بعد يوم"، معتبرًا أن الكارثة الإنسانية بلغت مرحلة الانهيار التام.
وأشار إغناتيوس إلى المشاهد الأخيرة لمدنيين فلسطينيين قُتلوا أثناء انتظارهم المساعدات الغذائية بأنها تكشف "عمق المأساة"، معتبرًا أنها كافية للمطالبة بإنهاء فوري للحرب. ووصف غزة بأنها باتت منطقة "عنف وسلب"، حيث يتدافع الجائعون إلى نقاط التوزيع، بينما يُظهر الجنود الإسرائيليون عجزًا متزايدًا عن السيطرة على الحشود، مضيفًا أن ما يجري هناك بات أشبه بمشهد من رواية "سيد الذباب" بوصفها صورة مكتملة لانهيار الإنسان والنظام معًا.
ويؤكد الكاتب أن المأساة القائمة تنبع من عجز الطرفين – إسرائيل وحماس – عن إنهاء حرب أنهكت الجميع. فبحسب رأيه، حماس مهزومة عسكريًا لكنها ترفض الاستسلام وتسعى إلى استثمار حالة الفوضى، فيما تبدو إسرائيل عاجزة عن ترجمة ما تصفه بـ"الانتصار العسكري" إلى حل سياسي أو إنساني، في ظل غياب خطة واضحة لما بعد الحرب، واستمرار احتجاز الرهائن الإسرائيليين وسط هذا الكابوس.
ويحمّل إغناتيوس الحكومة الإسرائيلية، وتحديدًا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه اليميني، مسؤولية فشل المرحلة الانتقالية، مشيرًا إلى أن بعض المسؤولين حاولوا سابقًا الدفع باتجاه خطط لإعادة إعمار غزة، لكنهم جوبهوا بالرفض وأُقصوا من مناصبهم.
ويشير المقال إلى أن مرحلة الانهيار الحالية بدأت عقب فشل الهدنة في آذار الماضي، حيث ورغم الضربات الإسرائيلية القاسية، بقي مقاتلون لحماس داخل غزة. ومنذ ذلك الحين، سعت إسرائيل إلى زيادة الضغط من خلال تقييد دخول الغذاء والمساعدات، رغم أن أكثر من مليون شخص بحاجة ماسة للطعام.
وفي هذا السياق، سمحت تل أبيب لمنظمة أميركية غير ربحية تُدعى "مؤسسة غزة الإنسانية" بتوزيع المساعدات، غير أن نقاط التوزيع كانت ضيقة، وأوقات عملها محدودة، والأمن غائب، ما جعل مهمة إدارة الحشود تقع في نهاية المطاف على عاتق جنود الجيش الإسرائيلي، الذين لا يملكون التدريب الكافي للتعامل مع المدنيين في مثل هذه الظروف، وكانت النتيجة – كما وصفها الكاتب – "سلسلة من الكوارث المتوقعة".
ونقل إغناتيوس عن تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، نُشر في 27 حزيران، أن جنودًا وصفوا الوضع في مراكز توزيع الغذاء بأنه "مروّع"، مؤكدين أن "إطلاق النار بات الوسيلة الأساسية لضبط الحشود"، في وقت أفاد فيه برنامج الغذاء العالمي بأن نحو ثلث سكان غزة لا يتناولون الطعام لأيام متواصلة، وأن "الآلاف" على حافة مجاعة كارثية.
ويختم الكاتب بالقول إن غزة تُدار اليوم، في الغالب، من قبل "عصابات وفوضى" أكثر من سلطة منظمة، ما يجعل عمليات توزيع المساعدات محفوفة بالخطر وسفك الدماء، مشددًا على أن الإسرائيليين والفلسطينيين – رغم كل الغضب والكراهية – يجمعهم احتياج مشترك وملح: إنهاء هذه الحرب التي طالت كثيرًا، بلا مخرج سياسي واضح.