بعد 25 عامًا من توليه وزارة الثقافة اللبنانية، يعود الوزير غسان سلامة إلى الموقع نفسه بخبرة أوسع ورؤية محدثة، مؤكدًا أن الثقافة واحدة من أهم الوزارات في لبنان، وأن القطاع الثقافي يساهم في الاقتصاد الوطني بنسبة تفوق الزراعة وربما الصناعة.
سلامة، الذي يصف نفسه بـ"أكبر مالك عقاري" في لبنان، يوضح أن مهمته الأساسية هي الدفاع عن المدن والقلاع والأسواق والمباني الأثرية وحمايتها من التعديات، إلى جانب متابعة القضايا أمام المحاكم ومنع السرقات والتشويه، بالتعاون مع مؤسسات عالمية مثل "اللوفر" وإيطاليا للبحث عن آثار جديدة.
أما على صعيد الإنتاج الثقافي، فيشير سلامة إلى أن ضعف التمويل يفرض على الوزارة دور الميسر والداعم بدل المستثمر، مع فتح أسواق جديدة أمام الكتّاب وصنّاع الأفلام، وتعزيز الشفافية ومحاربة الفساد عبر التحوّل الرقمي في المعاملات الثقافية. ويكشف عن هبات حصلت عليها الوزارة، منها مليون دولار لرقمنة المكتبة الوطنية، وأخرى لترميم قصر بيت الدين، ومشاريع لترميم بيوت أثرية في طرابلس بالتعاون مع "اليونسكو" والحكومة البرازيلية.
وفي حديثه عن التحديات، يلفت سلامة إلى تقلص المساعدات الدولية بسبب تحولات عالمية، منها حرب أوكرانيا، وانسحاب الولايات المتحدة من "اليونسكو"، ما انعكس سلبًا على تمويل المشاريع. ويعتبر أن "هجرة المبدعين" إلى أسواق خارجية، خاصة دول الخليج، باتت خطرًا حقيقيًا، داعيًا إلى تعزيز السوق الثقافية المحلية لتصدير الإبداع لا المبدعين.
سلامة أعلن عن خطة تبدأ مطلع أيلول، تتضمن سلسلة لقاءات مع مختلف القطاعات الثقافية، من الفنون التشكيلية إلى السينما والمسرح والكتب، لصوغ سياسة ثقافية تعرض على مجلس الوزراء قبل نهاية العام. كما كشف عن دراسة طلبتها الوزارة من وكالة التنمية الفرنسية تظهر أن حصة القطاع الثقافي من صادرات لبنان قد تتجاوز 15%، وربما تصل إلى 20%.
ويؤكد وزير الثقافة أن لبنان، الذي لم يؤمّم الثقافة منذ نشأته، يتمتع بحيوية ثقافية قائمة على مبادرات المجتمع، بعيدًا عن هيمنة الدولة، ما سمح للقطاع بالبقاء حيًّا حتى في أصعب الأزمات. كما أشار إلى أن الكونسرفتوار الوطني الجديد سيشكّل صرحًا موسيقيًا متطورًا عند استكماله بدعم صيني.
ويختم سلامة بالقول: "الثقافة لا تشبه التجارة بل تشبه الزراعة، نعمل اليوم من أجل من سيأتي بعدنا. هدفي حماية التراث، دعم المبدعين، ورسم رؤية ثقافية تحافظ على هوية لبنان وتدعم اقتصاده".