هل تعتبر الوقت الآن مناسباً لملء الفراغ القيادي في المجتمع السنّي بعد غياب شخصية جامعة كالتي مثّلها والدكم الشهيد رحمه الله؟
لبنان اليوم يمرّ بمرحلة دقيقة وحساسة، والمجتمع السنّي، كما باقي المكوّنات اللبنانية، بحاجة إلى قيادة تتحلى بالرؤية الواضحة والشجاعة في اتخاذ القرارات. أنا لا أرى المسألة في إطار ملء فراغ طائفي بقدر ما أراها في إطار ملء فراغ وطني شامل. نهج والدي، الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كان دائماً قائمًا على الانفتاح، الاعتدال، وبناء الدولة القوية التي تحمي جميع أبنائها. ما أطمح إليه اليوم هو أن أكون جزءًا من هذا المسار، وأن أعمل مع كل اللبنانيين من مختلف الطوائف والمناطق لإعادة الأمل والاستقرار، وليس فقط لتمثيل فئة معينة.
هل يرتكز مشروعك السياسي على دعم عربي، لا سيما من المملكة العربية السعودية؟ وما مدى تواصلك مع هذه الأطراف؟
نحن نريد علاقات مميزة بين لبنان والمملكة العربية السعودية التي يجمعها التاريخ الحافل بالإنجازات وأبرزها اتفاق الطائف والودائع التي وضعتها المملكة في لبنان ودعوتها لرجال الأعمال للاستثمار في لبنان ودعم اقتصاده وشعبه، هذا ما نريده ونعمل من أجله في لبنان اليوم.
مع أهمية صوت دار الفتوى في الشرعية السياسية، هل هناك تنسيق فعلي معها؟
دار الفتوى مرجعية وطنية ودينية أساسية، وصوتها له وزن كبير في ترسيخ وحدة الصف والحفاظ على الاعتدال. هناك تواصل وتنسيق دائم مع كافة المرجعيات الوطنية انطلاقاً من قناعتي بأهمية المرجعيات الروحية في حماية السلم الأهلي وتعزيز نهج دولة المؤسسات. نحن نحرص على أن يكون هذا التنسيق قائمًا على الاحترام المتبادل والعمل المشترك لما فيه مصلحة جميع اللبنانيين.
كيف تصف علاقتك مع الأحزاب والتيارات اللبنانية المختلفة؟ ومن الأقرب إلى رؤيتك؟
علاقتي مع جميع الأحزاب والتيارات اللبنانية قائمة على الاحترام والانفتاح على الحوار، مهما كانت الاختلافات في الرأي أو المقاربة. أنا أؤمن أن مصلحة لبنان تتطلب جسور تواصل مع الجميع، بعيداً عن الاصطفافات الضيقة.
فيما لو أسندت إليك رئاسة الحكومة، هل ستقبل مشاركة حزب الله في تشكيلتها؟
أؤمن أن أي حكومة في لبنان يجب أن تعمل ضمن إطار الدستور، وأن تلتزم بمبادئ الميثاق الوطني وباتفاق الطائف، لما تمثّله من ضمانة للشمولية ولحق جميع الأطراف والطوائف في التمثيل العادل. وفي الوقت نفسه، يجب أن تبقى الدولة ومؤسساتها الشرعية هي المرجع والسلطة الوحيدة، وألا يكون هناك أي سلاح خارج إطارها أو أي جهة فوق القانون. يجب أن يستند تشكيل أي حكومة إلى هذه المبادئ، لضمان خدمتها لجميع اللبنانيين على قدم المساواة واحترامها لالتزامات لبنان الداخلية والدولية.
هل تعتبر سلاح حزب الله عقبة رئيسية أمام نهضة واستقرار لبنان؟
نحن مع حصرية السلاح بيد الدولة وهذا أمر مفروغ منه، ولكن أريد أن أوضح قضية صغيرة وهي أنه في زمن رفيق الحريري كان سلاح حزب الله موجوداً، والجيش السوري والوصاية السورية وحكم سوري قمعي أيضاً، وسلاح المخيمات الفلسطينية، ومع ذلك ناضل والدي الشهيد ونجح باسترداد الثقة بلبنان. ما أريد الإشارة إليه هنا أن المنظومة السياسية في السنوات العشرين الأخيرة أجهضت عمداً مشروع الدولة.
ما هي الوعود التي تقدمها لأهل الجنوب؟ وكيف يمكن أن تسهم في وقف الاعتداءات والعدوان وإعادة الإعمار؟
أنا ابن صيدا، بوابة الجنوب، وأعرف جيدًا تضحيات أهلنا هناك وصمودهم في وجه العدوان. أعد أهل الجنوب أن أكون صوتهم وحامي حقوقهم في أي موقع أتولاه، وأن أعمل بكل جهد لوقف الاعتداءات عبر الضغط السياسي والدبلوماسي وتحصين الموقف اللبناني دولياً. كما أؤكد التزامي الكامل بتحرير ما تبقى من أرض الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك النقاط الخمس التي لا تزال إسرائيل تحتلها، واستكمال مسيرة السيادة الكاملة على أرضنا. علينا جميعاً أن نتكاتف لإعادة بناء الجنوب من خلال خطة شاملة لإعادة إعمار ما دمّره العدوان، وتحفيز التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، حتى يبقى الجنوب مزدهرًا، صامدًا، وركيزة من ركائز وحدة لبنان.
ما هو تصورك المتكامل لمعالجة الأزمة الاقتصادية في لبنان؟ هل لديك خارطة واضحة وشاملة؟
أمتلك رؤية واضحة لمستقبل لبنان، خاصة في ظل المرحلة المصيرية التي نمرّ بها. وقد وضعت بنفسي خطة إصلاحية شاملة تقوم على سبع ركائز أساسية، وسأعلن عن تفاصيلها في الوقت المناسب، بهدف معالجة جذور الأزمة الاقتصادية ووضع البلاد على مسار النهوض والاستقرار.
كيف تفسّر مفهوم "السيادة الاستراتيجية المرنة" الذي طرحتَه في منتدى «لبنان والمنطقة» في لندن؟ وكيف سيترجم إلى إصلاحات فعلية؟
عندما تحدثت عن السيادة الاستراتيجية المرنة في منتدى «لبنان والمنطقة» في لندن، كنت أقصد رؤية عملية تمكّن لبنان من استعادة قراره الوطني المستقل مع القدرة على التكيّف مع التحديات الإقليمية والدولية.
هذه الرؤية تقوم على ثلاث ركائز أساسية:
أولاً، إصلاح اقتصادي شفاف يعيد الثقة بلبنان داخليًا وخارجيًا.
ثانياً، إصلاح مؤسسات الدولة لتكون قوية وفاعلة وقادرة على فرض القانون على كامل الأراضي اللبنانية.
ثالثاً، بناء شراكات إقليمية ودولية انتقائية تخدم مصلحة لبنان العليا بعيداً عن أي ارتهان لمحاور.
الهدف من هذه الاستراتيجية هو أن يستعيد لبنان كرامته واستقراره، ويصبح قادرًا على اتخاذ قراراته بنفسه لمصلحة شعبه أولاً وأخيرًا.
بعد فترة الابتعاد، ما دافع عودتك الدائمة إلى لبنان في أيلول؟ وما أبرز أهدافك من هذه العودة؟
عودتي الدائمة إلى لبنان في أيلول تأتي بعد أن أعلنت قراري بالعودة مع عائلتي للإقامة بشكل كامل في وطني. أؤمن أن لبنان اليوم بحاجة ماسة إلى أشخاص يتحلون بالشجاعة والوفاء، وأنا حاضر لقيادة نهج الحريرية السياسية ومتابعة مسيرة والدي، الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بكل أمانة وإخلاص. هدفي أن أكون إلى جانب اللبنانيين، أعمل معهم من أجل بناء دولة قوية، عادلة، وقادرة على تأمين مستقبل أفضل لكل أبنائها.