"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
أسبوع "دبلوماسي ساخن" مرّ على لبنان، ومن المتوقّع أن يرثه أسبوع أكثر سخونة، وربما تمتد هذه السخونة تدريجياً إلى ما بعد شهر أيلول المقبل.
على المستوى الدبلوماسي الداخلي، ثمّة مسعى من جانب رئيس الجمهورية جوزاف عون يحظى بدعم رئيس مجلس النواب نبيه بري لإصلاح العلاقة ليس فقط بينه وبين "الحزب" و"الحركة"، بل مع الطائفة الشيعية عموماً، وعلى رأسها إيران. في هذا السياق، جال مستشار الرئيس العميد المتقاعد إندريه رحّال في عين التينة والضاحية لإعادة ترطيب الخطوط. ومن المهم الإشارة إلى أنّ الأهمية ليست في مضمون ما تخللته المباحثات، بل في الشكل أيضاً، ولا سيما بعدما كشف النقاب عن زيارة رحّال إلى السفارة الإيرانية حيث اجتمع مع السفير الإيراني وشخصيات مؤثرة هناك.
ومن العلامات اللافتة أن زيارة رحّال، بصفته مستشاراً لعون، جاءت بعد كلام المبعوث الأميركي توم براك من قصر بعبدا خلال زيارته الأخيرة حول ضرورة إشراك إيران في الحل. كلامٌ فُسّر على أنه غمز من "زلة لسان" الرئيس خلال مقابلته مع قناة "العربية"، حين رفض ما أسماه "التدخل الإيراني في لبنان". فجاء القرار سريعاً بتوجيه مستشاره إلى السفارة.
داخلياً أيضاً، فقد كان متوقعاً أن يصل المبعوث الأميركي المؤقت توم براك ومساعدته مورغان أورتاغوس صباح الثلاثاء المقبل إلى بيروت، على أن يباشرا – مع الوفد المرافق – جولة محادثات مع المسؤولين. لكن، ولأمر ما، جرى تعديل البرنامج، ليحضر الفريق يوم الاثنين، وعلى جدول أعماله إجراء لقاء جماعي "غير رسمي" مع شخصيات سياسية، على أن يبدأ البرنامج الرسمي يوم الثلاثاء كما كان مخططاً له.
اللافت في الحضور المبكر لأورتاغوس يوم الاثنين، واحتمال بقائها حتى مساء الثلاثاء، أنه يحمل عدة دلالات. أولها أنّ جلسة مجلس الأمن التي كانت مقرّرة يوم الاثنين 25 آب أُجّلت إلى الأربعاء 27 آب. في الشكل، التأجيل مرتبط بالمشاورات الجارية بين واشنطن وباريس حول صيغة التمديد لليونيفيل. أمّا في المضمون، فجاء – جزئياً – لإفساح المجال أمام أورتاغوس، بصفتها عضواً في بعثة أميركا لدى الأمم المتحدة، لتوسيع مشاوراتها اللبنانية، ثم الانتقال إلى تل أبيب لوضعها في صورة التطورات. وهي تتولى حالياً إدارة المفاوضات الجوالة غير المباشرة الجارية بين لبنان وإسرائيل. ولا يمكن إغفال أنّ هذا التأجيل تزامن مع تسلّم روسيا رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر.
في الشق الثاني من مهمة الفريق الأميركي، ينقل مصدر سياسي واسع الاطلاع أنّ توم براك أُبلغ بمضمون الرد الإسرائيلي على الورقة الأميركية خلال لقائه وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون دريمر في باريس. الرد تضمّن إصرار إسرائيل على ما تسميه "الحق في الاستهداف داخل لبنان". وبحسب تسريبات موقع "أكسيوس"، فقد جدّدت إدارة ترامب منح حكومة نتنياهو الحق في الاستمرار بالاستهداف، لكن عدّلتها لتصبح بصيغة تشمل "تقليص العمليات العسكرية غير العاجلة"، في إشارة ربما إلى الضربات أو الاغتيالات المصنّفة "غير طارئة" أو تأتي وفق مفهوم "إحباط تهديد مزعوم". وفسّر المصدر هذا الأمر على أنه نوع من التزام إسرائيلي "مشروط" – بضغط أميركي – بهدنة لـ15 يوماً سبق أن اقترحها بري على براك خلال زياراته الأخيرة، والتي نقلتها مورغان أورتاغوس إلى تل أبيب. لكن ذلك لا يعني وقفاً كاملاً للضربات، بل مجرد صيغة وسطية.
ويتابع المصدر أنّ لبنان وصله الرد بصيغة غير رسمية وينتظر الآن إبلاغه به بشكل رسمي. وقد فُهم أن إسرائيل لا تنوي الانسحاب من الأراضي التي تحتلها حالياً في الجنوب، لكنها قد تفكر بذلك عندما تتخذ الحكومة اللبنانية "إجراءات عملية لنزع سلاح حزب الله"! وعليه، ستبني إسرائيل موقفها على ما ستسفر عنه خطة الجيش اللبناني – التي تحظى باهتمام أميركي وسبق لبراك أن اطّلع على جانب من بنودها خلال وجوده في بيروت – المقرّر تسليمها إلى الحكومة بحلول 31 آب الجاري. والمقصود منها ترجمة قرارات الحكومة بشأن حصر السلاح، وذلك عبر احتمالين:
١- انسحاب من نقطة أو نقطتين من المناطق المحتلة جنوباً (علماً أنّ العدد يتجاوز ما يُتداول في الإعلام عن 5 أو 7 نقاط، ليشمل مواقع صغيرة أنشأتها إسرائيل على طول الجدار الحدودي).
٢- توسيع رقعة الاعتداءات في لبنان، تطبيقاً لتصريحات قائد المنطقة الشمالية الجديد، الذي أعلن أنّ جيشه سيتولّى عملية نزع سلاح الحزب بالارتكاز إلى قرار الحكومة اللبنانية.
وبينما تنتظر بيروت بلاغاً رسمياً من الجانب الأميركي للبناء عليه، يبدي لبنان اهتماماً ملموساً غاية في الأهمية يرتبط بمصير قوات اليونيفيل في الجنوب.
حتى اللحظة، يسود في بيروت انطباع بأن القرار المرتقب عن مجلس الأمن، بناءً على المداولات الأميركية – الفرنسية، يميل إلى سحب هذه القوات لكن ضمن صيغة تجديد لا تتجاوز العام. وليس صحيحاً أن بقاءها حتى 31 آب من العام المقبل هدفه إتاحة الفرصة للجميع لدرس خطواتهم حول مستقبل وجود القوات، بل يتّصل بمسائل تقنية منصوص عليها في التفويض الأساسي بين لبنان والأمم المتحدة، الذي يلحظ منح اليونيفيل مهلة تصل إلى 6 أشهر في حال صدور قرار بانسحابها، لتمكينها من نقل أصولها بشكل آمن إلى الدولة اللبنانية. بالتالي، إن أي تمديد هو مجرد إجراء إداري لا علاقة له بجدوى بقائها.
إلى جانب ذلك، يبدو أنّ الجميع بات مقتنعاً بأن واشنطن تريد تعزيز دور الجيش اللبناني ليحل محل القوات الدولية. لذلك، بدأ الجيش بفتح دورات تطويع لعناصر جدد، فيما تعمل الولايات المتحدة على تزويده بمعدات متطورة (بعضها يعتمد على الذكاء الاصطناعي) لمساندة الوحدات المنتشرة جنوبي الليطاني في مهام المراقبة والأمن، في إطار البرنامج الأميركي الهادف إلى سحب اليونيفيل.
بالموازاة، لا يمكن تجاهل العامل الأميركي – الروسي في هذا الملف. فإذا كانت إسرائيل قد أعلنت صراحة سعيها إلى إنهاء "الدور الأوروبي في الشرق الأوسط"، فإن واشنطن وموسكو تلتقيان معها في هذا التوجّه. وهو ما يتّضح من الضغط الفرنسي المستميت الذي بلغ حد إشراك رئاسة الأركان الفرنسية بالترويج لمهام اليونيفيل لإبقاء القوات الدولية في الجنوب ولو لعام إضافي، بصرف النظر عن طبيعة مهمتها، على أمل تحصيل التزام يمكن البناء عليه لتمديد وجودها إلى ما بعد 31 آب 2026.