في الثالث من أيلول، نفذت طائرات إسرائيلية غارة في جنوب لبنان استهدفت سيارة في محيط بلدة ياطر بقضاء بنت جبيل، وأدت إلى استشهاد عبد المنعم موسى سويدان، الذي كان يشغل منصب "الربط" المحلي لحزب الله في البلدة. هذا الموقع يُعرف داخل الحزب بصفته الممثل الأبرز للتنظيم في القرى والمسؤول عن ربطها بالحزب على المستويين المدني والعسكري، ما يجعله منصباً بالغ الحساسية في البنية التنظيمية.
تقرير صادر عن "مركز ألما" الإسرائيلي ومعطيات استخبارية أخرى أوضح أنّ "الربط" يُعدّ بمثابة الإداري الأعلى لحزب الله داخل البلدة. فهو يحدد هوية المسؤولين المحليين التابعين للحزب، ويضع الهرمية الداخلية لعناصره، وكلمته نافذة حتى على أعضاء المجلس المحلي التابع لحزب الله. وأحياناً يُعيَّن "رابط" واحد للإشراف على عدة قرى صغيرة متجاورة، ويكون خاضعاً لإشراف مسؤول قطاع أعلى.
وظيفة "الربط" تشمل جوانب مدنية وعسكرية متشابكة. في الجانب المدني، يشكل المرجع الرئيسي للأهالي في شؤون حياتهم اليومية، من طلب المساعدات المالية والغذائية، مروراً بحل النزاعات، وصولاً إلى توزيع الإعانات. على سبيل المثال، خلال جائحة كورونا كان "الربط" هو من يقرر المستفيدين من المساعدات وحجمها. وبعد حرب تموز 2006، تولى توزيع التعويضات القطرية على المتضررين وفق معاييره الخاصة، وليس وفق معايير حكومية. كذلك يحضر المناسبات الاجتماعية والرياضية، ويشارك في الاجتماعات المرتبطة بإدارة شؤون القرية.
أما في الجانب العسكري، فإن "الربط" بحكم موقعه مطّلع على انتشار قوات حزب الله ومخازن أسلحته في القرية. وهو الذي يدير عمليات استئجار أو مصادرة الأراضي والعقارات المدنية لاستخدامها في نشاطات الحزب العسكرية. إضافة إلى ذلك، يوصي الوحدات القتالية بالمواقع التي يمكن اعتمادها كـ"دروع بشرية"، ويضع خرائط تفصيلية لتصنيف الأماكن حسب أهميتها ومدى ملاءمتها لإخفاء السلاح أو البنى التحتية.
وثائق تعود إلى حرب لبنان الثانية عام 2006 كشفت أنّ الحزب كان يستأجر شققاً ومنازل عبر وساطة "الربط"، حيث يحصل صاحب العقار على ما يُعرف بـ"اعتماد أمني" بفضل معرفته الشخصية بالمسؤول المحلي. أحد أسرى الحزب آنذاك، محمد علا حميد سرور من بلدة عيتا الشعب، وصف في التحقيق كيف كان "الربط" يتوسط في عقود الإيجار ويضمن الثقة بين الطرفين. كما أنّ الوحدات اللوجستية التابعة للحزب تستعين بمحال تجارية محلية لتأمين الغذاء والوقود ومواد البناء، وغالباً ما يكون "الربط" هو الوسيط الذي ينسّق بين المدنيين والوحدات العسكرية.
وبحسب تقارير إسرائيلية وغربية، فإنّ منظومة "الربط" تُستخدم كأداة للسيطرة الاجتماعية والأمنية، وتُحوّل الأهالي عملياً إلى بيئة قابلة للتوظيف كغطاء بشري واسع. بعض التقارير تحدثت أيضاً عن انخراط "الربط" أو أقربائه في جرائم، تشمل الابتزاز والتهديد وأحياناً حتى القتل. وذُكر مثال من بلدة دبل الحدودية، حيث هدد أحد عناصر الحزب ويدعى حسين مهدي سيدة تُدعى فدوات سلامة.
اغتيال عبد المنعم موسى سويدان أعاد تسليط الضوء على هذه المنظومة الحساسة داخل حزب الله، إذ أنّ "الربط" ليس مجرد مسؤول محلي، بل حلقة مركزية في تثبيت قبضة الحزب على القرى الجنوبية، اجتماعياً وعسكرياً، وضمان ولاء السكان وربطهم بمؤسساته المدنية والقتالية في آن واحد.