“ليبانون ديبايت”
تتكشف يومًا بعد يوم خفايا جديدة في ملف بنك الاعتماد المصرفي (Creditbank) وفضيحة تبديد أموال المودعين، حيث تتركّز أصابع الاتهام على رئيس مجلس الإدارة طارق خليفة وعدد من رجال الأعمال النافذين الذين استغلوا جشع خليفة وتشعّب علاقاتهم لبناء شبكة مصالح أطاحت بودائع الناس. وتشير معلومات متقاطعة إلى أنّ عمليات محدّدة أفضت إلى تحقيق أحد النافذين أرباحًا بعشرات ملايين الدولارات نتيجة تقاضي عمولات من بنك الاعتماد المصرفي بنسب عالية جدًا، مستفيدًا من علاقة خاصة بمصرف لبنان، سمحت له برفع الحصص الممنوحة للمصرف من قبل مصرف لبنان، ما يثير المزيد من الشبهات حول كيفية تمرير هذه العمليات.
وفي موازاة ذلك، يسلّط «ليبانون ديبايت» الضوء على دور المدير المؤقت للمصرف فادي جبران، الذي يثير سلوكه في هذا الملف علامات استفهام كبرى. فقراراته لا توحي فقط بالتساهل، بل تعكس، وفق مصادر متابعة، توجّهًا لحماية ما يُعرف بـ”الرؤوس الكبيرة” التي راكمت الثروات من جيوب المودعين. بل أكثر من ذلك، تؤكد المصادر أنّ وصول جبران إلى موقعه لم يكن صدفة، بل نتيجة رضا النافذين الذين فرضوه مديرًا مؤقتًا كما فرضوا سابقًا محمد بعاصيري ليتولّى إدارة الأزمة بما يخدم مصالحهم.
بموازاة ذلك، تطرح أسئلة ملحّة حول التدقيق الجنائي الذي أُريد له أن يبقى عالقًا. فبحسب المعطيات، سلّم مايك أبو جودة نتائج التدقيق النهائي وكامل المستندات إلى الوكيل القانوني لبنك الاعتماد المصرفي، فيما ردّ المساهمون رسميًا على كل الملاحظات. ومع ذلك، صرّح أبو جودة أمام قاضي التحقيق بلال حلاوي أنّ التقرير “غير منجز”، ما فتح الباب على تساؤلات: هل حاول أبو جودة تحصين نفسه قانونيًا من مسؤولية تقرير ناقص؟ أم أنّها كانت مناورة متفقًا عليها لحماية المتورطين؟
المصادر نفسها تشير إلى أنّ الأشخاص النافذين المشاركين في سرقة أموال المودعين ليسوا مجهولين ولا حساباتهم مخفية، بل موثقة بالكامل. ورغم انتهاء عقد أبو جودة رسميًا بعد تسليم التقرير، وفي محاولة أخيرة لإثبات وجهة نظرهم، حاول المساهمون وأعضاء في مجلس إدارة المصرف تعيين شركة AlixPartners لمراجعة تقرير المدقق الجنائي ميشال أبو جودة والردود، إلا أن المفاجأة كانت بتمديد المدير المؤقت فادي جبران مهمة أبو جودة رغم تقديمه تقريره النهائي. وهنا يُطرح السؤال الأبرز: لماذا مدّد جبران مهمة انتهت أصلًا؟ ولمصلحة من يمدّد التدقيق الذي كان يجب أن يكون نهائيًا وحاسمًا؟
هذا التسلسل من الأحداث يكشف بوضوح محاولة للإمساك بالسردية من قبل المدير المؤقت ومن خلفه النافذون ودفن الحقائق غير المريحة، وفق ما ترى مصادر مطّلعة، وهو ما يثير شبهة التلاعب بمسار التدقيق بهدف إقفال الملف بهدوء وتفادي أي مساءلة قضائية. اللافت أنّ الأسبوع نفسه الذي أُوقف فيه طارق خليفة ونايلة زيدان، كان المساهمون في المصرف بصدد توقيع عقد بقيمة 500 ألف دولار مع AlixPartners، في محاولة متأخرة لإطلاق مراجعة شفافة من طرف ثالث بعد أن أُنهِك الملف بالتمديد والمماطلة.
اليوم، الأسئلة الموجّهة إلى المدير المؤقت فادي جبران تتقدّم على غيرها: لماذا يصرّ على حماية تمديد مهلة التدقيق الجنائي؟ ولماذا يوفّر غطاءً واضحًا لاستمرار لعبة تضليل المودعين؟ وأي دور يلعبه في ضمان بقاء “الرؤوس الكبيرة” بمنأى عن المحاسبة وإقفال الملف بمن حضر عند الحدود المرسومة في قرار حلاوي؟
إنّ الرأي العام، ومعه المودعون، يستحقون كشف الحقائق بلا مواربة: نشر الوثائق، تحديد المسؤوليات، إعلان نتائج المراجعة المستقلة بشفافية، وفتح باب المحاسبة بلا استثناء.