"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
سقط رئيس الحكومة نواف سلام في المواجهة مع حزب الله عند صخرة الروشة، فقرّر أن يرد عبر شنّ الحرب على رئيس الجمهورية جوزاف عون وفريقه الأمني والقضائي، أي الفريق الذي يُفترض أنه المخوَّل بالوقوف في مواجهة الحزب!
الاعتكاف المحدود الذي مارسه نواف سلام يوم الجمعة الماضي، لا يمكن إدراجه ضمن ردود الفعل على قرار حزب الله إضاءة صخرة الروشة بصورة أمينيه العامين، السيّدين الشهيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين. ببساطة، لأن الحزب ليس هو المتضرّر من الاعتكاف أو حتى من الاستقالة، بل قد يُصنَّف الحزب مستفيداً من الخيارين باعتبار أنّهما يوقفان اندفاعة سلام ولو مرحلياً. المستهدَف كان وما زال رئيس الجمهورية جوزاف عون، وعهده، والتركيبة التي أفرزها العهد. وسلام يعلم مدى دقّة عون وحساسيته تجاه عهده، وحرصه على نزع فتيل أي مسّ بعهدِه أو أي حدث يمكن أن ينعكس عليه.
نواف سلام – أو عملياً من أسرّ إليه – يعلم جيداً نقطة ضعف الرئيس، ويعلم أيضاً الدور الذي أدّاه الرئيس وفريقه الأمني في سحب فتائل المواجهة مع حزب الله عند صخرة الروشة. وفريق السراي يعلم تماماً كيف يقوم الرئيس بتدوير الزوايا مع الحزب، ويعلم بدقة أيضاً مَن الذي يمون على الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وسواهما من الأجهزة الأمنية. كما يعلم بما فيه الكفاية كيف نجح الرئيس إبّان تأليف الحكومة في سحب الأذرع الأمنية من يد رئيس السلطة التنفيذية، سواء في وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية، وتركه عارياً من أي سلطة أمنية. لذلك كان التصويب بالنسبة لجماعة “السراي” مبرَّراً على جوزاف عون، وصولاً إلى اتّهامه بالمسؤولية عن كسر قرار رئيس الحكومة عند شواطئ الروشة.
نواف سلام الذي وصلته هذه القناعة، تصرّف بمفعول رجعي مستمدّ من زمن مقارعته من جانب جوزاف عون، حين كان يصرّ على فكرة إحياء جلسات مجلس الوزراء في مقر رسمي تابع لرئاسة الحكومة كما ينصّ “الطائف”، في مقابل تشدّد من جانب الرئيس أن تكون الجلسات الأساسية والحاسمة في حضوره وفي قصر بعبدا.
ونواف سلام الذي استقبل نحو 16 وزيراً من حكومته في جلسة تشاورية يوم الجمعة في السراي الكبير، كان يرمي من ورائها إلى توجيه رسالة شديدة اللهجة، ليس إلى حزب الله باعتبار أنّ الحزب أساساً من ضمن الرسائل الطبيعية المرسلة، إنما إلى رئيس الجمهورية، وتحديداً عندما كاد أن يدخل في نزاع مع وزيري الدفاع ميشال منسى والداخلية أحمد الحجار، بصفتهما مقرّبين من الرئيس ومن حصّته. إذ اتّهم الأول بأنّه لم يصدر أوامر إلى الجيش بناءً على توجيهاته التي دوّنت في قرار “الترخيص” (منع إضاءة الصخرة وحصر التجمع بـ500 شخص)، لا بل إنّ الجيش سهّل حضور الحشد ووفّر له الحماية ثم أصدر بياناً انتقد فيه انتقاد رئيس الحكومة للجيش. وعندما سأل سلام عن دور قوى الأمن الداخلي، جاءه الجواب بأنها كانت حاضرة، لكن أي جهاز أمني لا يستطيع الدخول في مواجهة مع حشد مماثل. علماً أنّ رئيس الحكومة أساساً كان قد تخطّى وزارة الداخلية في بيانه الأول الذي قرّر فيه منع أي أنشطة، وكان الأجدى به – لو كان ذكياً – أن يضع الموضوع برمّته في عهدة وزارة الداخلية، لا أن يورّط الجميع ببيان.
وعلى مبدأ “أفضل وسيلة هي الهجوم”، تذكّر نواف سلام فجأة “سُنّيته”، وقرّر إطلاق تحرّك معاكس تحت شعار “حماية صلاحيات رئيس الحكومة السني”. فلجأ إلى بعض النواب “الصدفة” من السُنّة، وإلى بعض وسائل الإعلام والأقلام الصحافية ذات الخطاب المتطرّف، ليستعين بهم في تكوين “جو سني” يخدم معركته ضد رئيس الجمهورية وفريقه، مع قرار واضح بالتصعيد ضدهما تحت عنوان واحد وأخير: “الدفاع عن صلاحيات رئيس الحكومة السني”.
سلام أعاد التذكير بأنه شريك فعلي في السلطة، وأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة في غياب رئيس الجمهورية، وبالتالي هو المرجعية الأولى في الملف الأمني الداخلي، معتبراً أنه ليس من حق الرئيس التواصل مع الوزراء أو قادة الأجهزة الذين عيّنهم وتوجيههم بخلاف ما يريده رئيس الحكومة. ولو أن رئيس الجمهورية أراد من كل ذلك إعفاء البلد من مغامرات نواف سلام الطائشة، التي كادت – لو تُرك له القرار – أن تُدخل البلاد في مستنقع دموي ذي طابع طائفي.
نواف سلام الذي تصرّف مؤخراً من منطلق أنه "طرف رابح" في الإقليم، أخذته حماسته للصعود إلى أعلى الشجرة من دون حساب النتائج، وتحكم فيه حقده على حزب الله، ثم أخذ يبحث عمّن ينزله عن تلك الشجرة. فوقع الخيار على "حليف الحزب" رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قدّم له المساعدة اللوجستية، وعلى نائب رئيس الحكومة طارق متري، الذي وفّر له المساعدة “التكتيكية” من خلال إنتاج فكرة اللقاء التشاوري، التي أسهمت في تنفيس المشكلة وتراجع حدّة أزمة “صخرة الروشة” مع حزب الله، لكنها في المقابل ولّدت مشكلة أوسع نطاقاً مع رئيس الجمهورية.
يُقال إنّ نواف سلام، الذي ينتقل من أزمة إلى أخرى، ليس أمامه سوى الاجتماع الآن برئيس الجمهورية جوزاف عون بعد عودته من نيويورك، ومصارحته بهواجسه، وذلك بعد أن باتت مشكلته، كما قلنا، ليست صخرة الروشة، إنما الصلاحيات التي انفجرت عند صخرة الروشة.
الجميع يعلم – بمن فيهم رئيسا الجمهورية والحكومة، وسلام أكثرهم على أي حال – أنّ القرار الحالي هو توفير الاستقرار للحكم في لبنان. لذلك، خيار الاعتكاف ممنوع، وخيار الاستقالة مرفوض. وهو ما تبلّغه سلام من رعاته الإقليميين والدوليين، كالولايات المتحدة والسعودية، وذلك في أعقاب تسريبه نيته الاعتكاف يوم الجمعة، فأعاد إنتاج خطابه وفق صيغة أنه لا يعتكف بل يتفرّغ لحل المشكلة!
ويُقال إنّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، خلال تلك الساعات المصيرية، حمل نواف سلام على الهدوء، ومارس دوراً أساسياً في تنويره حول ما هو ماضٍ إليه في حال قرّر الاعتكاف. ولأجل ذلك، أرسل إليه ليلاً النائب مروان حمادة لتبليغه مضمون الرسالة الجنبلاطية، وأن المختارة مستعدة للتدخل لأجل وأد المشكلة مع حزب الله بالتعاون مع عين التينة. علماً أن المختارة استعانت بأدوار شيخ العقل سامي أبو المنى لما له من “مونة” بحكم موقعه.