في تحليل معمّق للعلاقة بين الدين والعنف وأحداث السنوات الأخيرة، أجرت صحيفة "معاريف" مقابلة مع د. أفنير ساعر، الخبير في إدارة التفاوض والمحاضر في الكلية الأكاديمية في الجليل الغربي. ساعر تناول وزن العامل الديني في الربط بين اندلاع أحداث "حارس الأسوار" في أيار 2021، وبين الهجوم الواسع الذي شنّته حركة حماس في 7 تشرين الأول 2023.
وقال ساعر: "من المهم دراسة وزن العامل الديني في العلاقة بين موجة العنف خلال أحداث أيار 2021 وبين الهجوم الإرهابي الواسع الذي نفذته حماس وفصائل فلسطينية أخرى في 7 تشرين الأول 2023. يجب التركيز على الخطاب الديني، والرموز الدينية مثل المسجد الأقصى والحرم القدسي، وعلى الشعارات الدينية من نوع 'الأقصى في خطر' التي ظهرت في الحدثين. في تقديري، الدين لعب دورًا مركزيًا، لكنه لم يكن حصريًا، في تبرير أعمال العداء وفي تحفيز جزء من عرب إسرائيل على القيام بأعمال انتقام داخل إسرائيل عام 2021، وهو ما ساهم في رفع ثقة قيادة حماس بنفسها، ورأت فيه إمكانية فعالة لفتح جبهة إضافية، ما أثّر في عملية اتخاذ القرار قبيل الخروج إلى هجوم السابع من تشرين الأول".
وأكد ساعر أنّ "الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني متعدد الأبعاد، ويمتزج فيه السياسي والوطني والاجتماعي والإثني والديني. خلال العقود الأخيرة، احتلت الرموز الدينية موقعًا مركزيًا في السرديات الفلسطينية وفي استراتيجيات 'المقاومة'. على سبيل المثال: تنص المادة السادسة من ميثاق حماس على أنّ الحركة تسعى لرفع راية الله على كل شبر من أرض فلسطين. أما المادة 11 فتؤكد أن فلسطين أرض وقف إسلامي إلى يوم الدين، لا يجوز التنازل عنها أو عن أي جزء منها. كذلك، تستلهم الحركة شخصية صلاح الدين الأيوبي باعتباره مرشدًا ومصدر إلهام في مواجهة 'الغزاة الأجانب'".
وأشار أيضًا إلى الميثاق الوطني الفلسطيني لعام 1968، وبالتحديد المادة 15 التي تنص على أنّ "تحرير فلسطين، من منظور عربي، واجب قومي، لدفع الغزو الصهيوني والإمبريالي وتطهير فلسطين من الوجود الصهيوني"، معتبرًا أنّ المسؤولية الكاملة تقع على عاتق الأمة العربية كلها، شعوبًا وحكومات.
وبحسب ساعر، "قراءة هذه البنود في الميثاقين تعزز الصلة الدينية – الاجتماعية بين أحداث 2021، التي تركزت حول حماية الأماكن المقدسة، وبين هجوم 7 تشرين الأول 2023، حيث استعملت حماس الخطاب الديني لتبرير عملية عسكرية واسعة".
وأضاف: "أبحاث الإرهاب الديني تظهر أن الأيديولوجيات الدينية توفر إطارًا قيميًا وشرعية أيديولوجية ودافعًا لتجنيد الجماهير. حماس كحركة إسلامية تمزج بين الأيديولوجيا الدينية والسياسة العملية، إذ لا تفصل الرؤية الإسلامية بين الدين والدولة. فميثاقها الأصلي الذي صاغه الشيخ أحمد ياسين عام 1988 شدّد على الجهاد الديني لتحرير فلسطين، بينما حاولت نسخة 2017 تبنّي لغة سياسية أكثر مرونة، لكنها حافظت على الثوابت الدينية".
وأوضح ساعر أنّ "النص الديني 'الأقصى في خطر' شكّل محفزًا رئيسيًا في أحداث أيار 2021، حيث استُخدم بكثافة في المظاهرات وعلى شبكات التواصل الاجتماعي. في هجوم 7 تشرين الأول، قدّمت حماس عمليتها باعتبارها دفاعًا عن المقدسات الإسلامية. العملية حملت اسم 'الوعد الأخير'، أي النهاية الحتمية لحكم اليهود في أرض إسرائيل، وهو مصطلح ذو دلالات دينية واضحة مقتبس من سورة الإسراء في القرآن".
وختم ساعر بالقول: "ينبغي أن نتذكر أن النزاع الديني يتضمن عناصر إيمان وهوية جماعية، والدين لا يُنظر إليه كأمر قابل للتفاوض بل كقيمة أبدية ومقدسة. لذلك يُعتبر أي تنازل 'خيانة للدين والإيمان'. النزاعات الدينية تشعل مشاعر قوية من إيمان وأخلاق وعدالة مطلقة، وتدفع نحو التطرف وتضيّق هامش التسويات. لجوء حماس إلى الدين يهدف إلى تأطير الصراع باعتباره معركة 'أبدية' حتى حلول الخلاص أو تحقيق مشيئة الله، وهذه عقبة جوهرية تعرقل أي إمكانية لإيجاد حلول سياسية حقيقية".