وكان المخطط، الذي تولته شبكة يديرها شخص غير لبناني، يهدف إلى إحداث أكبر عدد ممكن من الإصابات بين المشاركين في الفعاليات عبر دس دراجات نارية مفخخة بين الجموع في طريقهم نحو موقع الإحياء قرب ضريح السيد نصرالله. ولو حصل ذلك لارتفعت أعداد المصابين بسبب الذعر الذي سيثيره الانفجار. وتضمن المخطط أيضاً خططاً واضحة لتنفيذ “عمليات اغتيال” في سيناريو مكرر عمّا شهدته إيران قبل العدوان الأخير عليها.
أدناه الرواية التي حصلت عليها “ليبانون ديبايت” والمبنية على خلاصة التحقيقات الأولية مع مجموعة من المتورطين الذين ما زالوا موقوفين لدى المديرية العامة للأمن العام ويُجرى التحقيق معهم بإشراف القضاء المختص، وبإطلاع مباشر من المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير.
وفي التفاصيل، قبل حوالي خمسة أسابيع، وردت إلى المديرية العامة للأمن العام معلومة عبر “مُخبر” حول وجود حركة لأشخاص مجهولين يستخدمون مستودعاً في منطقة “النقّاش” عند ساحل المتن الشمالي. بعض المشبوهين كانوا يتنقلون بدراجات نارية.
على الفور بدأت عمليات استعلامية واسعة ودقيقة لكشف هويات الأشخاص وطبيعة نشاطهم، شملت سحب أشرطة كاميرات المراقبة من المكان، ما أدّى إلى تحديد هوية شخصين يترددان بشكل دائم إلى المستودع.
أظهرت التحقيقات أن أحدهما سوري الجنسية ويدعى خـ.ع.، وأن قيوده تُظهر دخوله إلى لبنان قبل فترة قصيرة عبر مطار رفيق الحريري الدولي مستخدماً جواز سفر أوكرانياً، بينما الثاني يُدعى مـ.ص. لبناني من البقاع الغربي، وهو الطرف الذي استأجر المستودع من شخص لبناني.
تبين خلال الاستعلامات أن المستودع استُأجر بمبلغ يُقدَّر بـ 30 ألف يورو لمدة ستة أشهر (أو سنة). ارتفاع قيمة العقد، إلى جانب استئجاره من شخص خارج المنطقة وبقاء المستودع من دون علامات واضحة تُدلُّ إلى الغاية التي إستأجر لأجلها، أثار شبهات لدى المحققين. وبعد إبلاغ قيادة الأمن العام بما تم التوصل إليه، جرت مخاطبة القضاء طالباً إشارته لتوقيف مـ.ص. لاستجوابه. في التزامن حصلت المديرية على إشارة قضائية لمداهمة المستودع المذكور.
بعد مواجهة الموقوف مـ.ص. عقب مداهمة المستودع وبإخباره أن شريكه خـ.ع. موقوف ويخضع للتحقيق، انهار وبدأ بالإدلاء باعترافات كشف فيها أنهما يعملان لمصلحة “الموساد” الإسرائيلي ضمن خلية واحدة، وأن خـ.ع. حضر إلى لبنان لتحضير عمل أمني.
أظهرت التحقيقات أن الموقوفين خضعا لدورات تدريبية على يد “الموساد” في ثلاث دول أوروبية، وأن مهمة خـ.ع. كانت التفخيخ، بينما كانت مهمة مـ.ص. تأمين اللوجستيات من مواد وبريد ميت إلى مكونات تُستخدم في صناعة المتفجرات (كشفت التحقيقات أنه جرى إعداد 6 عبوات ناسفة لإستخدامها). وتبين أن شخصاً أجنبياً مقيماً في دولة أوروبية يُدعى “مارتن” هو المحرك الرئيسي للخلية، ويتم التواصل معه عبر تطبيقات محادثة مشفّرة.
بحسب الاعترافات، قام أفراد الخلية بتفخيخ “بطاريات سيارات” بمواد متفجرة شبيهة بتلك التي استُخدمت في هجمات أجهزة النداء “البيجر” في أيلول من العام الماضي، بهدف استخدامها في هجمات عند محيط ضريح السيد نصرالله وفي أثناء توافد المشاركين؛ وأقرّوا أن المواد المستخدمة متطورة وتُحدث أضراراً كبيرة بعد انفجارها، ما يوسّع دائرة الإصابات، خصوصاً أن الكمية الموضوعة داخل البطاريات كانت أكبر من تلك التي وُضعت في أجهزة النداء.
“روبوت” لتنفيذ اغتيال في المطار؟
قادت التحقيقات إلى معلومات عن وجود “مستودع آخر” في منطقة دوحة عرمون. وبناءً على إشارة القضاء المختص، داهمت مجموعة من “الأمن القومي” في الأمن العام المستودع بالتزامن مع مداهمات أخرى في خلدة ودوحة عرمون ودوحة الحص، أسفرت عن توقيف لبنانيين هما أ.ـ. و عـ.ش. من عرب خلدة. وقد استعانت المديرية العامة للأمن العام بالجيش اللبناني لفرض طوق أمني في المنطقة.
تشير مصادر “ليبانون ديبايت” إلى أنه بعد الكشف على المستودع في دوحة عرمون، تبين تشابهه مع المستودع الذي اكتُشف في “النقّاش” ويُستخدم للأهداف نفسها.
من خلال التحقيقات مع الموقوفين، تبيّن أن المستودع استُخدم لتجهيز سيارة رباعية الدفع حمراء من نوع Jeep Wrangler لحمل مدفع رشاش آلي يمكن إخفاؤه والتحكم به عبر “روبوت” يُوجَّه لاسلكياً عن طريق الأقمار الاصطناعية، الهدف منه تنفيذ عملية اغتيال، في حادثة تشبه ما اكتُشف في إيران قبل العدوان الأخير عليها، حيث استُخدمت أجهزة مماثلة في اغتيال علماء نوويين.
أظهرت اعترافات الموقوفين أنه بعد علمهم بتوقيف خـ.ع. ومـ.ص. تم نقل سيارة الـ Wrangler إلى مستودع آخر في منطقة جونية بعد تفكيكها، وأن شخصين عملا على تجهيزها هما السوري عـ.ق. واللبناني أ.ي.، فرا مستخدمين جوازات سفر أوروبية إلى خارج الأراضي اللبنانية.
وبحسب الاعترافات، كان من المقرر ركن هذه السيارة في المطار، وتحديداً في القسم المخصّص للشخصيات VIP. ويرجّح المحققون أن وضعها في هذا المكان كان يستهدف اغتيال “شخصية إقليمية” شاركت في إحياء سنوية السيد نصرالله، إذ تزامن الموعد المفترض لركن السيارة مع موعد وصول تلك الشخصية.
التحقيقات مع الموقوفين الآخرين حتى الآن أظهرت أن مشاركتهم اقتصرت على توفير ظروف لوجستية مثل نقل سيارات أو بريد ميت بإستثناء واحد إعترف بتورّطه في تقديم معلومات تقنية حساسة وأساسية للعدو الإسرائيلي تضمنت أرقام هواتف ومواقع منازل ومعلومات عن سيارات وآليات تخص قياديين في قوات الفجر – الجماعة الإسلامية، ما ساهم في تمكين العدو من اغتيالهما باستخدام الطائرات المسيرة. كما أظهرت التحقيقات أن دولًا أوروبية أصبحت مواقع محتملة لتجنيد لبنانيين وسوريين بقصد تنفيذ عمليات إرهابية على الأراضي اللبنانية.
الـــمــــزيــــــــــد
