المحلية

عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت
الاثنين 13 تشرين الأول 2025 - 07:14 ليبانون ديبايت
عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت

قرار بالحرب على الاقتصاد الشيعي

قرار بالحرب على الاقتصاد الشيعي

"ليبانون ديبايت"- عبدالله قمح


قضية قصف معارض الجرّافات في المصيلح تتجاوز كونها استهدافاً في منطقة تحظى بامتياز سياسي، لتصل إلى حدود استكمال الحرب على الاقتصاد الشيعي في الجنوب. تلك الحرب التي بدأت وتوسعت مع اندلاع العدوان الأخير خريف عام 2024 ولم تتوقف مع توقفها.

ليست هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل منشآت عملانية تعود لتجار لبنانيين شيعة في الجنوب، وعلى الأرجح لن تكون الأخيرة، طالما أن القرار الحالي هو في إذابة رأس المال الشيعي المركزي في الجنوب، بالأخص ما يتصل في مجالات العقارات أو البناء.


بحسب المعطيات، بلغ عدد عمليات القصف التي طالت منشآت تضمّ جرافات وشاحنات ورافعات وآليات ثقيلة مرتبطة بالإعمار وإعادة الإعمار نحو تسع عمليات قصف، توزعت بين النبطية وأنصار ودير سريان، وصولاً إلى المصيلح التي تُعدّ الأوسع والأكبر، إلى جانب استهدافات متفرقة طالت جرافات بأحجام مختلفة أثناء عملها أو توقفها، وكذلك شاحنات متوقفة أو كانت تتحرك.


الاستهداف الأخير في المصيلح، على قساوته، أدى إلى تدمير ما لا يقل عن 800 آلية متنوعة الأحجام، وخسائر فادحة لا تقل عن 50 مليون دولار أميركي ثمناً لهذه الآليات وحدها، علماً أن قسماً منها استُقدم من الخارج بعد الحرب كمساهمة من بعض التجّار في توفير الآلات. ولا يمكن النظر إلى هذا الهجوم كحالة استثنائية أو رسالة محدودة – رغم أهمية الرسالة كما الموقع المستهدف – بل كجزء من استراتيجية إسرائيلية ممنهجة بدأت منذ سريان ما سُمّي “اتفاق وقف إطلاق النار”.


ويؤكد أكثر من مصدر سياسي أن إسرائيل باتت تتعامل مع حركة الآليات الثقيلة وتخزينها كمسألة خارجة عن بنود الإتفاق المعزوم، وتتجاوز إستراتيجية إسرائيل القائمة على منع إعادة الأعمار. وتعتبر إسرائيل أن الآليات لا تقلّ عن خطر صواريخ “فادي 1”، مثلاً.


وليس سراً أن سياسياً مرموقاً كان قد أفصح قبل فترة، عن خشيته من أن تشّن إسرائيل حرباً إقتصادية على مرتكزات الجنوب الحيوية، وأن تشمل كل ما يدخل في الإعمار وإعادة الإعمار والبناء، على إعتبار أنه قد يقوّض من رغبتها في إبراز إحتلالها وسطوتها، أو لأن هذه العناصر الثمينة، سينجم عنها وبالتأكيد خسائر فادحة، يمكن إستثمارها في الضغط الداخلي على حزب الله.


وما زاد من هذا الإنطباع، أن إسرائيل تدحرجت في إستهدافاتها وصولاً إلى قتل مهندسين عمداً، فقط لأنهم ينشطون في ملفات على صلة بإعادة الإعمار.


تتذرع إسرائيل بأن الآليات الثقيلة تُستخدم من قبل المقاومة لإعادة ترميم قدراتها في جنوب لبنان، خصوصاً في المناطق القريبة من الحدود. إلا أن هذه الذريعة تخفي حقيقة أخرى، تتمثل في أن إسرائيل تدرك تماماً رغبة الجنوبيين في إعادة إعمار ما تهدّم وهو ما تحاول التأثير عليه. فبعد كل حرب، يسارع الأهالي إلى رفع الركام والتمهيد للبناء من جديد. وفي المرحلة الأخيرة، بدأ عدد من سكان القرى الواقعة ضمن ما يُعرف بشريط الـ5 كلم من جنوب الليطاني (أي مناطق ما خلف الحافة) بإعادة بناء منازلهم ومنشآتهم المدنية، ما إعتبرته إسرائيل “تحدياً مباشراً” ومحاولة منهم لتكريس الوجود السكاني في منطقة تسعى لإبقائها خالية من الحياة إلى حين حسم ملف السلاح. فتعاملت معه على أساس أنه إستكمال لجهود المقاومة في إعادة التعافي!


الجميع يعلم – من الحكومة اللبنانية والأجهزة الأمنية إلى حزب الله واليونيفيل ومجلس الأمن، مروراً بالدول الراعية لما يُسمّى وقف إطلاق النار – أن منطقة جنوب الليطاني تعيش حالة حصار عسكري واقتصادي واضح، يمنع إعادة تشييد المنازل أو إصلاحها أو إعمارها. كما تُقيَّد حركة الناس وتُستهدف مقومات عيشهم الأساسية في إطار حرب اقتصادية معلنة. وتحرص إسرائيل على إيصال رسالة واضحة لمن قرّر العودة، من أنه يعيش تحت مراقبة دائمة، وأن أي نشاط عمراني أو اقتصادي أو ز راعي في المنطقة يُعتبر جزءاً من “الظروف الحربية”، وبالتالي ممنوع حتى إشعار آخر.


ورغم ذلك، تُظهر الإحصاءات أن قرى الحافة الأمامية استقبلت مجدداً نحو 80 عائلة وسطياً في كل قرية (بعض القرى شهدت خلال الصيف عودة أكثر من 300 عائلة)، غير أن إسرائيل تتعامل مع هؤلاء العائدين كـ”أعداء”، وتسعى بكل الوسائل إلى تضييق سبل حياتهم، بذريعة أنهم يشكلون “ركيزة لعودة حزب الله”. وخلال الصيف الماضي، كانت واضحاً أن إسرائيل نفذت إستهدافات في قرى تقع ضمن جنوب الليطاني، بهدف منع الأهالي من العودة أو إجبار من هم فيها على المغادرة.


خلال الحرب الأخيرة، ركزت إسرائيل على استهداف مقومات الاقتصاد الشيعي ليس في الجنوب فقط، بل أيضاً في البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت. فقد طاولت الغارات مؤسسات تجارية وشركات متوسطة الحجم وأخرى كبيرة تعمل في مجالات تجارة السيارات ومواد البناء والهندسة والمفروشات والكهربائيات على أنواعها، وصولاً إلى المؤسسات الغذائية. وحتى في الضاحية الجنوبية، فإن العديد من المستودعات التي زعم العدو أنها مواقع لحزب الله وقام بإستهدافتها وتدميرها، كانت في الواقع ورشاً مدنية ومخازن حديد وأخشاب ومواد غذائية أو معامل مفروشات وقطع غيار سيارات.


والأمر نفسه تكرر في البقاع، حيث استهدفت طائرات العدو أحياناً مباني تضم مكاتب لشركات مدنية، أو حتى مطاعم ومقاهي.


تشير التقديرات إلى أن الخسائر الإجمالية تجاوزت مئات ملايين الدولارات، وتحوّلت عائلات كانت تُعدّ من الأثرياء أو من ذوي الدخل المرتفع إلى ما دون الطبقة المتوسطة بفعل الاستهدافات الإسرائيلية. إنها حرب اقتصادية ممنهجة تستهدف مؤسسات ورجال أعمال من الطائفة الشيعية، بالتوازي مع حرب عسكرية على فكر حزب الله وبيئته الاجتماعية، ما يجعلنا أمام موجة عقاب جماعي تمارسها إسرائيل بوضوح واستمرارية.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة