يُعدّ القرار القضائي، اي قرار، مرآةً لتطبيق القانون وعدالة القاضي معاً. فكلما كان القاضي دقيقا في تفسير النصوص، ومتّزناً في التوفيق بين القانون والواقع ، كلما إقترب القضاء من تحقيق العدالة المنشودة.
فالقاضي العادل هو الذي يوازن بين النص القانوني والظروف الواقعية ليصدر قرارا يُرضي الضمير ويعزّز الثقة بالقضاء، وهو ما تجلّى في قرار لرئيس الهيئة الاتهامية في جبل لبنان بالانتداب القاضي فادي العريضي، بحق متهم بترويج المخدرات اوقف بموجب كتب معلومات ووثائق إتصال ، والذي خلص في قراره الذي جاء خلافا لمطالعة النيابة العامة ، الى "منع المحاكمة عن ح.ب.ح. لانتفاء الادلة وإطلاق سراحه فورا ما لم يكن موقوفا او محكوما بداعٍ آخر".
ما توصّل اليه قرار الهيئة برئاسة القاضي العريضي وعضوية المستشارتين القاضيتين مارجي مجدلاني وسيسيل سرحال، يُعدّ منطلقاً لانتظام العلاقة بين الامن والقضاء ، وإجتهاداً قانونياً يجب الارتكاز عليه لوضع حدّ لاي توقيفات تعسفية نتيجة وثائق الاتصال التي ألغتها الحكومة، لكن الجهات الامنية لا تزال تأخذ بها في ظل غياب رقابة قضائية لها.
ابرز ما ورد في قرار الهيئة الاتهامية الذي يقع في ست صفحات ، ان "كتاب المعلومات ووثائق الاتصال وسائر المعلومات الامنية الاستخباراتية غير الظاهر مصدرها وكيفية الاستحصال عليها ومشروعيتها حتى تتمكن المحكمة من ممارسة رقابتها على ماهية الادلة والتأكد من صدقيتها، وهي في الغالب غير معززة بأي ادلة وقرائن جدية تضفي عليها نوعا من المصداقية، لا يؤخذ بها بحدّ ذاتها كدليل صحيح ومشروع للظن بالمدعى عليه او حتى لاتهامه بما هو منسوب اليه".
وعزّزت الهيئة قرارها بأحكام صادرة عن محكمة التمييز التي استندت الى هذا التوجه خلال اعوام 1996 و1997 و2000 و2002 وحكم صدر عن قاضٍ منفرد في جب جنين في العام 2015 لتصل بالنتيجة الى انه"في القضية الحاضرة ، فالشبهة المساقة بحق المدعى عليه مبنية فقط على معلومات وردت الى رئيس مكتب مكافحة المخدرات المركزي دون ان تعزز بأي ادلة حسيّة او قرائن جدية، وهي تعتبر من نوع الادلة غير المشروعة وغير القانونية وغير الثابتة اذا لم يُضبط مع المدعى عليه اي نوع من المخدرات ولم يُستدل من هاتفه اي تواصل في قضايا تجارة المخدرات، كما خلا سجله العدلي من اي اسبقيات في قضايا ترويج المخدرات او الاتجار بها، مما يجعل الادلة المساقة ضده غير موجودة ومنتفية".