المحلية

placeholder

وليد خوري

ليبانون ديبايت
الخميس 16 تشرين الأول 2025 - 07:18 ليبانون ديبايت
placeholder

وليد خوري

ليبانون ديبايت

تصعيد داخل البيت المسيحي… “القوات” تُمهّد لمعركة إلغاء جديدة مع “الكتائب"

تصعيد داخل البيت المسيحي… “القوات” تُمهّد لمعركة إلغاء جديدة مع “الكتائب"

“ليبانون ديبايت” – وليد خوري


تلوح في الأفق مواجهة حادّة داخل البيت المسيحي بين “القوات اللبنانية” و“الكتائب”، على خلفية القرار الأخير لوزير العدل عادل نصّار بتعيين محققين عدليين في عدد من قضايا الاغتيالات السياسية، في خطوةٍ يُنظر إليها على نطاق واسع كجزء من مسار إصلاحي طال انتظاره لإنهاء حالة الإفلات من العقاب التي رافقت لبنان لعقود طويلة.

لكنّ هذه الخطوة التي اعتُبرت في الأوساط القضائية “تاريخية وجريئة”، سرعان ما تحوّلت إلى أزمة سياسية داخلية بعدما قرّرت “القوات اللبنانية” التعامل معها على أنها استهداف مباشر لسمير جعجع وماضيه العسكري، وسعت – وفق معلومات خاصة بـ”ليبانون ديبايت” – إلى تحميل حزب الكتائب المسؤولية السياسية الكاملة عن تعيين محقق عدلي في قضية الهجوم المسلّح على بلدة إهدن عام 1978، المعروفة بـ”مجزرة إهدن”.


وتفيد المعلومات أنّ قيادة “القوات” اعتبرت التعيين “طعنة سياسية” موجّهة من الكتائب عبر وزارة العدل، وقرّرت الردّ عليها عبر فتح مواجهة سياسية مفتوحة، تمتدّ من اليوم وحتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة. وتشير مصادر مطّلعة إلى أنّ خطة معراب الانتخابية ستتضمّن حملة ممنهجة لعزل الكتائب مسيحياً وشعبياً، وشنّ ما يشبه “حرب إلغاء سياسية” ضدها في مختلف الدوائر ذات الثقل المسيحي، انطلاقاً من قناعة راسخة لدى جعجع بأنّ “الكتائب” شاركت عن قصد في استهداف القوات من خلال تسويق فكرة “المحاسبة على مجزرة إهدن”.


وتؤكد أوساط القوات أنّ إعادة تحريك هذا الملف يحمل “نية مبيّتة” لتصفية الحساب مع جعجع شخصياً، معتبرة أنّ فتح جرح إهدن بعد 46 عاماً “يمسّ بكرامة جعجع وتاريخه النضالي”. وتشدد المصادر على أنّ ما جرى “ليس مجرّد إجراء قضائي بل خطوة سياسية مموّهة بغطاء قانوني”، وتتهم الكتائب بـ”التواطؤ مع أطراف داخل وزارة العدل لإحياء ملفات الحرب، بهدف ضرب صورة الحزب وزعيمه”.


في المقابل، تعتبر مصادر سياسية أنّ ردّ فعل معراب انفعالي ومبالغ فيه، خصوصاً أن وزير العدل لم يشر في قراراته إلى أي جهة أو شخصية بعينها، بل أصدر سلسلة من التعيينات شملت ملفات عدّة، أبرزها: اغتيال الشيخ أحمد عساف، محاولة اغتيال المهندس مصطفى معروف سعد، جريمة إهدن، محاولة اغتيال الرئيس الأسبق كميل شمعون، حوادث بعلبك – بورضاي، اغتيال الوزير إيلي حبيقة، اغتيال النائب أنطوان غانم، اغتيال الشيخ صالح العريضي، اغتيال النائب والوزير بيار أمين الجميل، اغتيال الصحافي سمير قصير، واغتيال النائب والصحافي جبران تويني.


ويرى المراقبون أنّ “القوات”، التي كان يُفترض أن ترحّب بخطوة قضائية تسعى إلى تحقيق العدالة، اختارت استحضار خطاب الاضطهاد والتجييش ضد خصومها، في ما يشبه محاولة للهروب من مواجهة ماضيها العسكري ومسؤوليتها الأخلاقية. فالحزب الذي يرفع اليوم شعار “سيادة القانون” و”استقلال القضاء”، يبدو – بحسب هؤلاء – أول من يرتجف عندما يقترب القضاء من ملفات تطال رموزه أو تذكّر بدوره في الحرب الأهلية.


في المقابل، تنفي مصادر كتائبية أي علاقة للحزب بالتعيينات، مؤكدة أنّ “القوات” تهرب من التاريخ وتبحث عن شماعة سياسية لتبرير توتّرها. وتشير إلى أنّ العدالة لا يمكن أن تكون انتقائية، وأنّ إحياء ملفات الحرب ليس استهدافاً حزبياً بل تصحيح لمسار وطني طال انتظاره. وتضيف المصادر: “من يخاف من العدالة هو من لديه ما يخفيه، أما من آمن بالدولة والمؤسسات فلا يخشى المحاسبة”.


وقد أعاد القرار الوزاري تسليط الضوء على مجزرة إهدن، التي وقعت في 13 حزيران 1978 حين شنّت مجموعة مسلحة هجوماً على البلدة الشمالية، ما أدى إلى مقتل النائب والوزير طوني فرنجية وزوجته فيرا وطفلتهما جيهان وعدد من المرافقين. وقد تعددت الروايات حول الحادثة، إذ يؤكد سمير جعجع أنّ العملية كانت تهدف إلى “تحييد القوة العسكرية لطوني فرنجية”، فيما تصرّ عائلة فرنجية على أنها كانت جريمة اغتيال سياسية منظّمة هدفها القضاء على نفوذ آل فرنجية في الشمال.


وفي كتابه الشهير “إهدن، لعنة المسيحيين العرب”, أشار الكاتب الفرنسي ريتشارد لابيفيير إلى أنّ المجزرة لم تكن حادثاً محلياً معزولاً، بل جزءاً من مشروع إقليمي لفرض هيمنة القوى المسيحية المتحالفة مع إسرائيل داخل الساحة اللبنانية، ملمّحاً إلى أنّ سمير جعجع، وإن لم يكن المنفّذ المباشر، كان أحد أبرز المستفيدين سياسياً من نتائجها.


وفي الوقت الذي تسعى فيه “القوات” إلى إعادة تقديم نفسها كـ”حزب سيادي ومدني”، يرى مراقبون أنّها تسقط في فخ الذاكرة كلّما اقترب القضاء من صفحات الحرب، فتعيد إنتاج خطابها الدفاعي القديم وتستنفر جمهورها في مواجهة خصومها. أما “الكتائب”، التي واجهت بدورها انتقادات تاريخية في مراحل سابقة، فتبدو اليوم أكثر ارتياحاً لتبنّي خطاب العدالة والمساءلة.


وهكذا، تتكرّر في المشهد المسيحي ظاهرة حروب الإلغاء القديمة بوجهٍ جديد. فالقوات التي تخوض معاركها اليوم تحت شعار “السيادة والحرية”، تستعد لفتح جبهة انتخابية ضد “الكتائب”، لا بحثاً عن العدالة بل انتقاماً سياسياً مؤجّلاً. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن العدالة لا تُختزل بمعركة انتخابية، ولا تُلغى بقرار حزبي، وأنّ مجزرة إهدن ستظل جرحاً مفتوحاً في الذاكرة اللبنانية، مهما حاول البعض تغليفها بلغة المصالحة أو المناورة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة