"ليبانون ديبايت" _ المحرّر السياسي
ليست قليلة، ملاحظات صندوق النقد الدولي على التشريعات المالية المتعلقة بالمصارف وبتوزيع الخسائر المالية بعد انهيار 2019 وبمعضلة ودائع اللبنانيين، وما زالت موافقته على اتجاهات وإجراءات الحكومات المتعاقبة منذ الإنهيار، غير متوفرة حتى اللحظة، بحيث يبدو محسوماً بأن الإتفاق على برنامج تمويل أو على دعمٍ من الصندوق، بعيد المنال، على الأقلّ في المدى الزمني المنظور في العام الحالي أو حتى في العام المقبل.
فشروط صندوق النقد المتعلّقة بالودائع وتوزيع خسائر الإنهيار المصرفي والأزمة المالية، غير شعبوية، وعناوينها لا تناسب الحملات الإنتخابية والخطاب الشعبوي الذي بدأ يعتمده النواب والمرشحون إلى الإستحقاق الإنتخابي النيابي المقبل، ما يعزّز الإنطباع بأن أي بحثٍ جدي في اتفاقٍ بين لبنان والصندوق "غير مطابق" لظروف اللحظة السياسية الداخلية.
حتى الآن، يرى مدير المعهد المالي لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني، أن الإتفاق مع صندوق النقد الدولي "ما زال في المربع الأول، وهو مجمّد عند الإتفاق المبدئي وطلب الإصلاحات التي لم يتمكن لبنان من إنجازها".
والنقطة الأكثر أهمية في شروط صندوق النقد، كما يقول الدكتور مارديني ل"ليبانون ديبايت"، هي "الشروط المتعلقة بإصلاحات القطاع المصرفي التي قامت بها الحكومات المتعاقبة، حيث أنهم قسّموا الملف إلى ثلاثة أجزاء، وفصلوا السرية المصرفية عن إعادة هيكلة المصارف وعن الفجوة المالية، إلاّ أن صندوق النقد يريد إقرار القوانين الثلاثة قبل البدء بالعمل الجدي مع لبنان". ويوضح مارديني أنه "في الوقت الحالي، فإن صندوق النقد قد أبدى رضاه على تشريع تعديلات قانون السرية المصرفية، لكنه غير موافق على قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وقد أبدى الكثير من الملاحظات عليه وطالب بتعديله، وهذه هي المشكلة الأولى لدى لبنان".
أمّا المشكلة الثانية وهي الأكبر، وفق مارديني، فهي قانون الفجوة المالية وتوزيع الخسائر، إذ يشير إلى "خلافٍ كبير حوله في ضوء الإنقسام بين وجهتي نظر، الأولى وهي وجهة نظر صندوق النقد الدولي، الذي يريد أن تتحمّل المصارف وحدها الخسائر، وبأن الدولة لا يجب أن تتحمل أي خسائر مالية، ووجهة النظر الثانية، التي تقول إن الدولة يجب أن تتحمّل نسبةً من الخسائر وليس المصارف فقط، لأن الدولة هي التي أخذت الأموال من المصارف، وهنا بيت القصيد، وهذا هو سبب التأخير في إعادة إصلاح القطاع المصرفي، وسبب تأخير الإتفاق مع صندوق النقد الدولي".
بالتوازي، يلفت مارديني، إلى "صعوباتٍ داخلية حول إقرار قانون توزيع الخسائر أو الفجوة قبل الإنتخابات النيابية المقبلة في أيار 2026، وذلك بغضّ النظر عن الإتجاه الذي ستذهب إليه عملية توزيع الخسائر، فالواضح أنه من الصعب تمرير القانون قبل العام المقبل، لأن النواب يريدون ترك هذا الموضوع إلى ما بعد الإنتخابات النيابية، ما يعني أنه لن يكون اتفاق مع صندوق النقد قبل الإنتخابات النيابية".
هل هذا يعني أن إقرار "الفجوة" سيتمّ بعد الإنتخابات النيابية المقبلة؟
في معرض الإجابة على هذا السؤال، يكشف مارديني أنه "حتى بعد الإنتخابات النيابية، ستكون هناك صعوبة للوصول إلى أرضية مشتركة، خصوصاً وأن بعض الأطراف تحاول أن تسوّق أننا لا نريد اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي، والذي برأيي ليس موقفاً حكيماً جداً في هذه الفترة، خصوصاً وأننا نحتاج إلى دعم دولي، وهذا الدعم الدولي هو عادةً مشروط بهذا الموضوع إقتصادياً".