المحلية

ليبانون ديبايت
الثلاثاء 04 تشرين الثاني 2025 - 12:09 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

"باراك يخطئ الهدف مرة أخرى"… وباحث لبناني ينصحه بالعودة إلى التاريخ!

"باراك يخطئ الهدف مرة أخرى"… وباحث لبناني ينصحه بالعودة إلى التاريخ!

"ليبانون ديبايت"

أثار كلام الموفد الأميركي توماس باراك عاصفة سياسية وإعلامية في لبنان، بعدما وصف البلاد بأنها "دولة فاشلة تعاني من أزمات سياسية واقتصادية عميقة، معتبراً أنّ حزب الله يمتلك قدرات ميدانية تفوق قدرات الجيش اللبناني"، هذا التصريح، الذي أطلقه خلال مؤتمر في البحرين، أعاد فتح النقاش حول النظرة الخارجية إلى الدولة اللبنانية، ومدى إنصافها لواقع بلدٍ يرزح تحت أزماته لكنه لم يفقد بعد إرادته في النهوض.

في هذا السياق، اعتبر الباحث في التاريخ والأستاذ الجامعي الدكتور عماد مراد، في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت"، أنّ "تصريح باراك استحوذ خلال اليومين الماضيين على اهتمام اللبنانيين والإعلاميين ووسائل التواصل الاجتماعي والسياسيين في لبنان، نظرًا لما تضمّنه من توصيف قاسٍ للبنان كدولة فاشلة ذات قدرات ضعيفة واقتصاد هشّ، مقابل إشادته بقوة حزب الله العسكرية والبشرية، وصولاً إلى المقارنة المؤسفة التي أجراها بين رواتب عناصر الحزب ورواتب العسكريين في الجيش اللبناني، وهو أمر مرفوض بكل المقاييس".


وأضاف مراد أنّها "ليست المرة الأولى التي يخطئ فيها باراك بحق لبنان واللبنانيين، سواء في مواقفه التاريخية أو السياسية"، مشيراً إلى أنّه "من المرجّح أن يكون محاطًا بمستشارين يزوّدونه بمعلومات تاريخية غير دقيقة، ما يجعله يخطئ في توصيف الواقع اللبناني".


وتابع قائلاً: "لا يمكن التوقّف فقط عند ما قاله في البحرين، بل يجب التذكير بموقفين سابقين له أساء فيهما إلى لبنان، الموقف الأول حينما هدّد اللبنانيين بسوريا عندما قال إنّ لبنان يواجه تهديدًا وجوديًا، وإذا لم يتحرك فقد يعود إلى ما سمّاه (بلاد الشام)، محذّرًا من اتخاذ مواقف مناهضة لسوريا، وكأنّ لبنان كان يومًا جزءًا من هذا الكيان، وهذا يُعدّ أكبر إهانة لتاريخ لبنان وتاريخ المسيحيين فيه، أصحاب مشروع الدولة اللبنانية".


وأوضح مراد أنّه "لم يكن في التاريخ كيان سياسي أو إداري اسمه بلاد الشام، بل هو مجرد تعبير جغرافي. لبنان لم يكن تابعًا لسوريا لا في التاريخ القديم ولا الحديث، بل العكس هو الصحيح، إذ كانت مناطق سورية تتبع إداريًا لولاية بيروت العثمانية حتى القرن التاسع عشر. لذلك لا يحقّ لباراك تهديد اللبنانيين بجهلٍ للتاريخ، لأنّ جبل لبنان تحديدًا لم يخضع يومًا للسلطة السورية، بل واجه مرارًا أطماعها".


واعتبر أنّ "تهديد باراك للبنانيين بأنهم جزء من بلاد الشام أو تابعون لسوريا سياسيًا أو عسكريًا يعكس جهلًا فاضحًا بالتاريخ"، مضيفًا أنّ "هذا الكلام مرفوض ولا يخيف أحدًا، فلا المسلمون ولا المسيحيون في لبنان يقبلون أن يكون بلدهم جزءًا من كيان آخر، سياسيًا أو عسكريًا".


وأوضح أنّ "الكلام الذي وصف المنطقة بأنها مجرد قبائل وعشائر لا تعرف الدولة أو المؤسسات، يتنافى مع الحقيقة التاريخية، إذ إنّ لبنان يتمتّع منذ نحو خمسمئة عام بحكم ذاتي واستقلال إداري داخل الدولة العثمانية، بدءًا من عهد الإمارتين مرورًا بعهد المتصرفية التي كرّست استقلالًا فعليًا للبنان ضمن السلطنة".


وأضاف أنّ "لبنان خلال تلك الحقبات كان يمتلك إدارة خاصة، وقوى أمن، ونظام ضرائب، وتقسيمًا إداريًا واضحًا، وعلاقات خارجية ونمط حياة متميّزًا، إضافة إلى ثقافة منفتحة وتطور فكري وعلاقات متينة مع الغرب، ما يؤكد أنّ اللبنانيين أصحاب كيان ومؤسسات وفكر سياسي متقدّم منذ قرون".


وشدّد مراد على أنّ "الكيان اللبناني يمتدّ عمره لأكثر من 1400 سنة، بجذور تعود إلى الدولات الفينيقية، وأنّ الدول العربية الكبرى عبر التاريخ كانت تفضّل للبنان وضعًا خاصًا ضمن محيطه العربي، تمامًا كما حصل في عهد المتصرفية". وأضاف: "من المعيب أن يتحدث باراك عن لبنان وكأنه مجرد تجمع عشائري، فاللبنانيون، مسلمين ومسيحيين، كانوا دائمًا أصحاب فكر مؤسساتي يسعون إلى بناء دولة قائمة على القانون والتنظيم".


وردًّا على وصف باراك لبنان بأنه "دولة فاشلة"، قال مراد: "هذا توصيف مهين ومرفوض جملة وتفصيلًا، نعم، لبنان يواجه أزمة اقتصادية ومالية وانقسامًا سياسيًا، لكنه ليس دولة فاشلة. فمنذ 9 كانون الثاني وحتى اليوم، نرى الدولة اللبنانية تحاول التقدّم، ولو ببطء، من خلال خطوات إصلاحية في التعيينات والإدارة والعلاقات الخارجية، وحتى في المجال الأمني حيث يسعى الجيش إلى بسط سيطرته على الأراضي اللبنانية قدر الإمكان. صحيح أنّ وتيرة التقدّم بطيئة، لكنها موجودة وتعكس مسارًا إصلاحيًا حقيقيًا يضع لبنان على سكة النهوض".


وأشار إلى أنّ "لبنان اليوم يختلف عمّا كان عليه في مرحلة الفوضى والحرب، أو خلال فترة سيطرة حزب الله على مفاصل الدولة وما رافقها من فوضى في القضاء والاقتصاد والإدارة". وأكّد أنّ "هذه المرحلة السوداء لا تختصر تاريخ لبنان ولا تمثّل حقيقته، لأنّ لبنان كان وسيبقى بلد المؤسسات والرسالة".


وأوضح مراد أنّ "مشروع بناء الدولة الحالية يتولاه شخصيتان أساسيتان هما رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ورئيس الحكومة القاضي نواف إسلام، رغم العقبات التي تواجههما، لكنّهما يسعيان إلى إعادة ضبط النظام وترسيخ الشفافية والإصلاح".


ورأى أنّ "توصيف باراك للدولة اللبنانية بالفاشلة لا يخدم سيادتها، بل يضرّ بها وبالجيش ومؤسساتها، فمَن يريد أن يرى لبنان دولة قوية، عليه أن يدعمها فعليًا لا أن يُضعفها بالتصريحات، وذلك عبر ثلاث ركائز: الدعم المالي، تزويد الجيش بالعتاد والسلاح، والدعم الدبلوماسي لضمان انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب".


وختم مراد بالقول: "إنّ اختزال الدولة اللبنانية بالضعف ومقارنتها بحزب الله يساهم في تقوية الحزب لا في إضعافه، لأنه يرسّخ فكرة أنّ الحزب هو الحامي الفعلي للبلد، بهذه الطريقة يسهِم باراك في إضعاف سلطة الدولة والسيادة اللبنانية بدل تدعيمها، ومع ذلك، يبقى مشروع البناء الداخلي في لبنان مستمرًا، ومساعي بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها قائمة، كما تستمر الجهود لإصلاح القضاء والاقتصاد والإدارة، بناء الدولة يحتاج دعمًا عربيًا وغربيًا، لكنه لن يتوقف بسبب أخطاء في الخطاب السياسي، فالإرادة الوطنية مستمرة، وسلاح حزب الله الخارج عن الشرعية سينتهي يومًا، لكن ليس عبر الإهانات، بل عبر دعم مؤسسات الدولة والجيش، وتسريع عملية استعادة السيادة وبناء الدولة المنتجة والمنظمة".

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة