تتجه الأنظار إلى مواجهة سياسية غير مسبوقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والعمدة الجديد لمدينة نيويورك زهران ممداني، بعدما أصبح الأخير العمدة رقم 111 للمدينة، في معركة يُتوقع أن تتجاوز حدودها لتتحول إلى اختبار رمزي بين اليسار التقدّمي واليمين المحافظ في الولايات المتحدة.
فممداني، الاشتراكي الشاب البالغ من العمر 34 عاماً، يدخل مكتبه البلدي وسط حالة استنفار سياسي في صفوف الجمهوريين، فيما يعتبره ترامب "خصماً أيديولوجياً مباشراً" يمثل نموذجاً مغايراً بالكامل لرؤيته عن "أميركا العظيمة".
وبحسب تقرير لصحيفة "ذا تايمز" البريطانية، فإن خطوط المواجهة بين الرجلين رُسمت منذ الحملات الانتخابية.
فترامب، رجل الأعمال الثري القادم من عالم العقارات، وصف ممداني مراراً بأنه "شيوعي"، في حين ردّ الأخير واصفاً نفسه بأنه "أسوأ كوابيس الرئيس"، متهماً خصومه الديمقراطيين التقليديين، وفي مقدمتهم أندرو كومو، بتبنّي "الممولين أنفسهم والرؤية نفسها للإفلات من المساءلة".
في المقابل، استخدم الإعلام اليميني الأميركي صورة ممداني كـ"فزّاعة سياسية" لحشد أنصار ترامب، بينما رأى الديمقراطيون في فوزه بارقة أمل لعودة الخط التقدّمي إلى الواجهة، خصوصاً في ظل غياب قيادة موحدة داخل الحزب.
وردّ ترامب سريعاً على فوز ممداني عبر منصته "تروث سوشيال"، قائلاً: "من غير المرجح أن أقدّم أموالاً فيدرالية لمدينة كانت عظيمة ذات يوم، لأن وجود شيوعي على رأسها يعني أنها لن تنجح ولن تبقى".
ويُقدَّر أن تحصل نيويورك على نحو 7.4 مليارات دولار من التمويل الفيدرالي في السنة المالية 2026، أي ما يعادل 6.4% من إجمالي إنفاقها.
ويرى خبراء أن أي محاولة من ترامب لتقليص هذه الأموال ستواجه معركة قضائية طويلة، إذ كانت أكثر من خمسين ولاية وهيئة محلية قد رفعت سابقاً دعاوى مماثلة ضد قرارات خفض التمويل واعتُبرت "غير قانونية".
وفق "ذا تايمز"، ترتكز المواجهة المقبلة على ثلاثة محاور أساسية:
الإنفاق والضرائب: يدعو ممداني إلى رفع الضرائب على الأثرياء وزيادة الإنفاق الاجتماعي وتمويل الإسكان الميسّر، في حين يتمسّك ترامب بسياسات "خفض الضرائب والانضباط المالي".
الهجرة: يتبنّى ممداني سياسة "مدينة الملاذ الآمن" التي تمنع التعاون مع وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE)، بينما يسعى ترامب إلى إعادة تفعيل المداهمات وتوسيعها لتشمل المدن الكبرى.
الأمن: رغم تراجعه عن شعاره السابق "أوقفوا تمويل شرطة نيويورك"، وعد ممداني بالتعاون مع مفوّضة الشرطة جيسيكا تيش، غير أنّ الجمهوريين يحذّرون من أن سياساته الاجتماعية قد تدفع المدينة نحو أزمات مالية وأمنية مشابهة لتجارب شيكاغو وكاليفورنيا.
يرى محلّلون أنّ الصدام بين ترامب وممداني يتجاوز الحسابات الحزبية، ليعبّر عن معركة أعمق على هوية نيويورك بين رؤيتين متناقضتين:
فترامب، الذي لا يزال يصف المدينة بـ"حبه الأول"، يعتبر أن ما يجري فيها يمس إرثه الشخصي، بينما يسعى ممداني إلى تحويلها إلى نموذج للعدالة الاجتماعية والانفتاح التقدّمي في مواجهة الشعبوية اليمينية.
وفي ظلّ هذا الانقسام، تبدو نيويورك مختبراً سياسياً حقيقياً لقياس مستقبل العلاقة بين المدن الكبرى والإدارة الفيدرالية في مرحلة ما بعد ترامب — وربما ميدان اختبار مبكر للانتخابات الرئاسية المقبلة.