كشف خمسة مسؤولين أميركيين سابقين أنّ الولايات المتحدة جمعت معلومات استخباراتية العام الماضي تشير إلى أنّ مستشارين قانونيين في الجيش الإسرائيلي حذّروا من وجود أدلة قد تدعم اتهامات بارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة، خلال الحرب التي استخدمت فيها أسلحة أميركية الصنع.
ووفق ما نقلت وكالة رويترز عن هؤلاء المسؤولين، فإنّ هذه التقارير كانت من أكثر الملفات الاستخباراتية إثارة للدهشة التي عرضت على كبار صنّاع القرار الأميركيين خلال الحرب، إذ أظهرت شكوكًا داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بشأن قانونية أساليبها، في تناقض واضح مع الموقف الرسمي لتل أبيب الذي دافع بشدة عن عملياته.
وأشار اثنان من المسؤولين إلى أنّ هذه المعلومات لم تُتداول على نطاق واسع داخل الحكومة الأميركية إلا في أواخر ولاية الرئيس جو بايدن، حيث أُدرجت ضمن جلسة إحاطة في الكونغرس في كانون الأول 2024.
وأوضحت المصادر أنّ الارتفاع الكبير في أعداد القتلى المدنيين في غزة أثار قلقًا متزايدًا داخل الإدارة الأميركية، خصوصًا أن بعض التقارير الاستخباراتية لمحت إلى احتمال انتهاك إسرائيل المعايير الدولية المتعلقة بالتناسب في الأضرار الجانبية.
لكن المسؤولين الذين تحدثوا إلى رويترز لم يكشفوا عن طبيعة الأدلة بالتفصيل أو عن الحوادث التي أثارت القلق لدى المستشارين القانونيين الإسرائيليين.
وأدّت تلك المعلومات إلى عقد اجتماع عاجل في مجلس الأمن القومي الأميركي، شارك فيه مسؤولون ومستشارون قانونيون من وزارات الخارجية والدفاع والبيت الأبيض وأجهزة الاستخبارات، لبحث كيفية التعامل مع هذه النتائج وما إذا كانت تستدعي موقفًا رسميًا من واشنطن.
ووفقًا للمسؤولين السابقين، كان اعتراف رسمي من الولايات المتحدة بارتكاب إسرائيل جرائم حرب سيُلزمها قانونيًا بوقف شحنات الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل، بموجب القانون الأميركي.
وبعد مداولات مطوّلة، قرر محامو الحكومة الأميركية أنّه لا توجد أدلة أميركية مباشرة تثبت تعمّد الجيش الإسرائيلي استهداف المدنيين أو العاملين الإنسانيين، وبالتالي لا يوجد مبرّر قانوني لوقف الدعم العسكري.
وأفاد المسؤولون بأن إدارة ترامب الحالية اطّلعت على هذه المعلومات بعد تسلمها الحكم في كانون الثاني (يناير) الماضي، لكنها لم تُبدِ اهتمامًا يُذكر، واختارت الاستمرار في دعم إسرائيل سياسياً وعسكرياً، بل وتبنّت موقفًا أكثر انحيازًا تجاه تل أبيب من الإدارة السابقة.
وفي المقابل، أبدى عدد من المسؤولين الأميركيين السابقين خيبة أملهم من عدم اتخاذ موقف أكثر حزمًا تجاه الانتهاكات المحتملة، معتبرين أن واشنطن تتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية في تمكين إسرائيل من مواصلة تلك العمليات.
يُذكر أنّ المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي كانت قد أصدرت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق، إلى جانب القيادي في حركة حماس محمد الضيف، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في النزاع الدامي في غزة.
وتأتي هذه التطورات بينما تواجه إسرائيل اتهامات دولية متزايدة باستخدام أسلحة أميركية في عمليات أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين وتدمير واسع في القطاع، ما أعاد إلى الواجهة النقاش حول مسؤولية واشنطن القانونية والأخلاقية عن تلك الحرب.