أحدث الكتاب المفتوح الذي وجّهه نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم إلى رؤساء الدولة اللبنانية، صدىً واسعاً داخل الأوساط السياسية، وتحديداً لدى حلفائه في "الثنائي الشيعي". ولم تقتصر المفاجأة على رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، بل شملت أيضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي علم بمضمون الكتاب عبر وسائل الإعلام، على غرار عدد من نواب كتلة "الوفاء للمقاومة" ووزيري الحزب في الحكومة، محمد حيدر وركان نصر الدين، اللذين لم يكونا على علم مسبق به أثناء مشاركتهما في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء التي تزامنت مع صدوره.
وأكد مصدر سياسي بارز في "الثنائي الشيعي" لـ"الشرق الأوسط" أنّ خطوة قاسم بتوجيه كتابه للرؤساء من دون التشاور المسبق مع بري، أثارت استغراباً واسعاً داخل صفوف "الثنائي". وأوضح المصدر أنّ قاسم تصرّف بمعزل عن التنسيق القائم بين "حزب الله" و"حركة أمل"، والذي يتولاه المعاونان السياسيان للرئيس بري النائب علي حسن خليل، وللأمين العام للحزب حسين الخليل، ما أثار تساؤلات حول دوافع الخطوة وتوقيتها.
وكشف المصدر أنّ رئيس المجلس سجّل عتبه الشديد على حليفه في جلسة مغلقة، من دون أن يخفي انزعاجه مما وصفه بـ"تفرّد غير مبرّر". وأوضح أنّ الموضوع طُرح لاحقاً خلال لقاء "الخليلين" لتقييم خلفيات ما جرى، والعمل على تطويق مفاعيله السياسية التي قد تُلقي بظلالها على العلاقة بين الطرفين.
وأشار المصدر إلى أنّ بري فضّل الإبقاء على العتب داخل الأطر التنظيمية الخاصة بـ"الثنائي"، تجنّباً لأي انعكاس سلبي في العلن، لكنه رأى أنّ الأسلوب الذي اعتمده قاسم لم يكن ضرورياً، وكان بالإمكان الاكتفاء ببيان سياسي يعبّر عن موقف الحزب بدلاً من كتاب مفتوح موجّه للرؤساء.
وبحسب المصدر، برّر "حزب الله" مضمون الكتاب بأنه يأتي في سياق رفض الحزب لأي مفاوضات سياسية مباشرة مع إسرائيل، مؤكداً تمسكه بخيار المقاومة ورفض التطبيع. غير أنّ توقيت الرسالة، وفق المصدر نفسه، عُدّ "خطوة غير محسوبة"، خصوصاً أنّ الرؤساء الثلاثة أجمعوا على رفض المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، ولا يرون موجباً لتكرار الموقف بأسلوب قد يُفسَّر كرسالة داخلية.
وصف مصدر رسمي لبناني خطوة قاسم بأنها "دعسة ناقصة" سياسياً، معتبرًا أنّها قد تُضعف موقف لبنان التفاوضي في ما يخصّ تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية. وأوضح أنّ الرؤساء يتمسّكون بخيار الدبلوماسية والضغط عبر اللجنة الدولية "الميكانيزم" لإلزام إسرائيل باحترام التزاماتها، ويطالبون واشنطن وفرنسا بإثبات صدقيتهما في رعاية الاتفاق.
وسأل المصدر لماذا تفرّد قاسم بموقفه من دون التشاور مع الرئيس بري، الذي سبق أن فوّضته قيادة الحزب إدارة ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وهو تفويض ما زال ساري المفعول بدليل تأييده لاتفاق وقف النار الذي أنجزه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين وتبنّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
ورأى أنّ خطوة قاسم جاءت أيضاً في ظل تحولات إقليمية، خصوصاً بعد وصول وفد من وزارة الخزانة الأميركية إلى بيروت لبحث ملفات تتصل بتمويل الحزب. ولفت إلى أنّ مضمون الكتاب قد يعكس، ولو بشكل غير مباشر، حضوراً إيرانياً "بالواسطة"، في محاولة لإعادة إدخال طهران إلى طاولة المفاوضات حول الجنوب اللبناني لتعويض تراجع نفوذها في ملفات إقليمية أخرى.
وأشار إلى أنّ توقيت الرسالة تزامن مع مساعٍ مصرية لتحريك الوساطة، بقيادة مدير المخابرات اللواء حسن رشاد، الذي طرح أفكاراً لإخراج المفاوضات من الجمود، بعد لقائه في تل أبيب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقبل وصوله إلى بيروت. وقال المصدر إنّ الحزب رفض الأفكار المصرية سلفاً، لا سيما في ما يتعلّق بتوقيت تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة.
وعلمت "الشرق الأوسط" أنّ أوساطاً رسمية لبنانية قرأت في كتاب قاسم محاولة لإعادة التموضع السياسي والعودة إلى "المربّع الأول"، رغم التزام الحزب سابقاً بمبدأ حصرية السلاح ومشاركته في الحكومة على هذا الأساس. وأكدت المصادر أنّ الرؤساء فوجئوا بالرسالة، ما دفع جهات رسمية إلى التساؤل عمّا إذا كانت تعبّر عن تحوّل في موقف إيران نفسها.
وأوضح المصدر أنّ لبنان أعدّ رداً رسمياً على الأفكار التي حملها اللواء رشاد، جاء فيه أنّ اتفاق وقف الأعمال العدائية يُطبَّق بحذافيره من الجانب اللبناني، وأنّ المسؤولية تقع على إسرائيل التي تواصل خروقها واعتداءاتها، ولا حاجة بالتالي لأي اتفاق جديد. وشدّد الرد على ضرورة ممارسة واشنطن ضغوطاً على تل أبيب لإلزامها بالاتفاق القائم.
وكُلّف المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير بنقل الموقف اللبناني إلى الجانب المصري، بالتنسيق مع مدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي، بهدف تعزيز التعاون الأمني والتنسيق السياسي بين البلدين.
وختم المصدر بالتأكيد على أنّ الاتصالات اللبنانية – المصرية لم تنقطع، وأنّ القاهرة تواصل دعمها لموقف بيروت، وتتفهم ثوابتها القائمة على رفض الخروق الإسرائيلية والتمسك بتطبيق القرار الدولي 1701 كاملاً، بمؤازرة قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" وبالتنسيق مع الجيش اللبناني.