كشف تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن وثائق رسمية تُظهر أن حكومة إسرائيل أبرمت خلال الأشهر الأخيرة عقوداً بملايين الدولارات مع شركات أميركية مقربة من الرئيس دونالد ترامب، بهدف تحسين صورتها في الولايات المتحدة بعد التراجع الكبير في التأييد الشعبي لها، خصوصاً بين المسيحيين المحافظين والإنجيليين، عقب العدوان على قطاع غزة.
ووفقاً للوثائق المسجلة في وزارة العدل الأميركية، تتضمن العقود حملات دعاية واسعة النطاق تستهدف ملايين المصلّين في الكنائس الأميركية، إلى جانب استخدام "بوتات" رقمية ومؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاولاتٍ للتأثير على نتائج محركات البحث وعلى إجابات أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، لجعلها أكثر ميلاً لوجهة النظر الإسرائيلية.
أكبر هذه العقود وُقّع في آب (أغسطس) الماضي مع شركة Clock Tower X المملوكة لـ براد بارسكال، مدير الحملات الرقمية لترامب خلال انتخابات 2016 و2020، بقيمة 6 ملايين دولار لأربعة أشهر فقط.
ويهدف العقد، بحسب ما ورد فيه، إلى "تطوير وتنفيذ حملة أميركية واسعة لمكافحة معاداة السامية"، لكنه في الواقع يركّز على تحسين صورة إسرائيل داخل الأوساط المحافظة.
وينص على إنتاج أكثر من 100 مادة إعلامية شهرياً، تشمل فيديوهات، بودكاست، صوراً ورسائل مكتوبة، تُوزّع عبر شبكة Salem Media، وهي تكتل إعلامي مسيحي محافظ يملك أكثر من 200 محطة إذاعية وموقع إلكتروني، يرأسه بارسكال نفسه.
تُظهر الوثائق أن شركة Show Faith by Works التابعة للمستشار الجمهوري تشاد شنِتغر أعدّت حملة بقيمة تفوق 3 ملايين دولار، توصف بأنها أكبر عملية تحديد مواقع جغرافية في التاريخ الأميركي.
الحملة ترسم خرائط رقمية لكل كنيسة وكلية مسيحية رئيسية في ولايات كاليفورنيا، أريزونا، نيفادا، وكولورادو، بهدف تعقّب المصلّين خلال القداديس واستهدافهم لاحقاً بإعلانات تدعو إلى دعم إسرائيل "بدوافع دينية".
وتقدّر الوثائق حجم الجمهور المستهدف بـ 8 ملايين مصلٍّ و4 ملايين طالب مسيحي، تتضمن الرسائل الإعلانية اتهاماتٍ للفلسطينيين بدعم حركة حماس و"الارتباط بإيران"، ضمن خطاب ديني يبرّر دعم إسرائيل.
من أبرز البنود اللافتة في العقود بندٌ بعنوان "عمليات البحث واللغة"، يهدف إلى توجيه نتائج محركات البحث وتحسين مخرجات أنظمة المحادثة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وClaude.
وتعدّ هذه الخطوة، وفق محللين، أول حالة موثقة لدولةٍ تحاول التأثير على الخطاب الناتج عن أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي بشأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
ويعتبر خبراء أن هذا التحوّل يعكس انتقال إسرائيل من مرحلة تحسين ظهور المحتوى المؤيد لها عبر جوجل (SEO) إلى مرحلة التأثير المباشر في صياغة الإجابات والمضامين التي تقدّمها النماذج اللغوية الذكية.
التحقيق أشار أيضاً إلى حملة أخرى نفذتها شركة Bridges Partners لصالح وزارة الخارجية الإسرائيلية بقيمة مليون دولار، ضمن ما يُعرف بـ "مشروع إستير"، تهدف إلى تجنيد مؤثرين أميركيين لإنتاج محتوى داعم لإسرائيل على منصات إنستغرام، تيك توك ويوتيوب.
ويُعتقد أن هذا المشروع مرتبط بمبادرة مماثلة أطلقتها مؤسسة التراث (The Heritage Foundation)، التي دعت بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض إلى تجريم النشاطات المؤيدة لفلسطين في الجامعات الأميركية.
الوثائق تُظهر كذلك أن الحكومة الإسرائيلية تعتبر الذكاء الاصطناعي أداة مركزية في حملاتها الدعائية الخارجية، عبر منظمة "أصوات من أجل إسرائيل" (Voices for Israel)، المدعومة من وزارة شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية.
وقد أُنشئت داخلها "غرفة حرب تكنولوجية" مزوّدة بأنظمة تحليل بيانات ضخمة وأدوات مراقبة رقمية لتنسيق الحملات ضمن ما تُسميه تل أبيب "عمليات الإدراك الجماهيري" لمواجهة ما تعتبره "حملات نزع الشرعية عنها".
أوضحت الصحيفة أن استطلاعات Pew Research بين عامي 2022 و2025 أظهرت تراجعاً غير مسبوق في الدعم الشعبي لإسرائيل داخل الأوساط المحافظة الأميركية، إذ ارتفعت نسبة الأميركيين الذين ينظرون إليها سلباً من 42% عام 2022 إلى 53% عام 2025، في وقت بات فيه نصف الجمهوريين الشباب يحملون مواقف سلبية تجاهها.
ويرى مراقبون أن هذا التحول يعود إلى تداعيات حرب غزة، إضافة إلى نظريات مؤامرة انتشرت بعد مقتل المعلّق المحافظ تشارلي كيرك، زاعمةً أن إسرائيل كانت وراء اغتياله بسبب انتقاده للعدوان.