في انتخابات نقابة المحامين في بيروت، كل ما جرى لم يكن صراعًا سياسيًا بقدر ما كان اصطفافًا شخصيًا وطائفيًا مكشوفًا، جرى معه استخدام الخطاب السياسي كأداة تعبئة لا أكثر. إذ سعى البعض لإظهار المعركة وكأنها بين الثنائي الشيعي ومعارضيه، علمًا أن الثنائي هو الطرف الأقل حضورًا في النقابة التي تدخل الحسابات الشخصية والطائفية لاعبًا أساسيًا في انتخاباتها.
لم تكن النتيجة مفاجِئة لمن يعلم كيف تُدار المعركة الانتخابية في نقابة المحامين، إذ أصبحت النقابة مؤلّفة من 11 عضوًا مسيحيًا وواحد درزي، بغياب مكوّنين أساسيين هما المكوّن السني والمكوّن الشيعي. وبحسب مصادر نقابية، فإن التحالفات لم تُشفِع للمرشحين المسلمين. ففي هذه النقابة لا تكفي الرايات ولا الشعارات، بل العدد، والعدد هنا لصالح الأكثرية المسيحية تاريخيًا.
ورغم أن الثنائي الشيعي وُضِع في قلب المواجهة، إلا أنه دخلها شبه منزوع السلاح. فعدديًا، لا يملك القدرة على فرض معادلة حقيقية داخل النقابة، وأعداد المحامين المنظّمين سياسيًا والمستوفين لشروط الاقتراع لا تتجاوز الـ 400. ومع ذلك جرى تصويره كخصم يجب إسقاطه، وكأنه الرقم الأصعب. ففي هذه اللعبة، مجرد الاسم كان كافيًا لخوض المعركة، ولضخ تعبئة عاطفية في بيئة تستجيب سريعًا عند استحضار العنوان الطائفي.
وبحسب المصادر، قررت حركة “أمل” خوض التجربة من باب الانفتاح، فدعمت ترشيح سيدة من الطائفة السنية، ودخلت في تفاهم مع المرشح إيلي بازرلي المدعوم من حزب الكتائب، بينما اكتفى حزب الله بدعم مرشحة الحركة إلى جانب مرشحة شيعية هي سهى الأسعد. وكان يُفترض بتحالف الحركة مع الكتائب وبازرلي أن يكون مبنيًا على أساس تبادل الأصوات، وهذا ما وعد به مسؤول كتائبي بارز اعتبر أن الحزب منفتح على التحالف مع الحركة في أكثر من استحقاق. لكن النتائج قالت شيئًا آخر، وكأن التعهّد لم يكن جديًا من الأساس، علمًا أن أصدقاء لباسرلي أكدوا قبل الانتخابات صعوبة تجيير الأصوات المسيحية الحزبية لمرشحي الثنائي الشيعي في ظل الظروف الراهنة في البلد.
لم تنجح مرشحة الحركة سعاد شعيب وتذيّلت الترتيب بعدد الأصوات، وكذلك المرشحة المدعومة من الحزب. وأظهرت النتائج التي سبقت المعركة على مقعد النقيب أن عماد مارتينوس، الذي يمتلك علاقات وطيدة داخل النقابة مع المحامين بمختلف انتماءاتهم، والمشهود له، والمدعوم من القوات اللبنانية لا المنتمي إليها –بحسب تأكيده مرارًا– اقترب من حسم النتيجة. ورغم ذلك قررت الحركة دعم بازرلي في انتخابات النقيب، رغم محاولات مارتينوس الذي كان ضامنًا للفوز وأراده جامعًا.
وفي الكواليس، يردّد بعض المطلعين أن أي إدارة انتخابية مختلفة، وأي تحالفات بديلة، لم تكن لتقلب النتيجة بالنسبة للثنائي، فميزان النقابة واضح: لا حصص طائفية، والأكثرية ذات لون واحد، والقرار النهائي بيدها. أي أن لعبة الأكثرية والأقلية، المرفوضة وطنيًا في أغلب الاستحقاقات الانتخابية، هي التي تحكم المسار في نقابة المحامين. لذلك، سواء دعم الثنائي مرشحته، أو تحالف مع بازرلي، أو أيّد مارتينوس أو غيره، فالصورة ستبقى كما ظهرت: إقصاء كامل للثنائي، ومعه المرشح السني، الذي يعتقد بعض الشارع السني أنه جاء نتيجة إقفال حقبة تيار المستقبل داخل النقابة.
وترى المصادر عبر “ليبانون ديبايت” أن الثنائي الذي خاض معركة المناصفة في انتخابات بلدية بيروت دفاعًا عن التوازن الإسلامي – المسيحي، وشكّل رافعته الأولى والأهم، أُقصي من نقابة المحامين، وهو ما سيتم أخذه بعين الاعتبار في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. علمًا أن رئيس الحركة نبيه بري لطالما جاهر باستعداده للدفع من رصيده الشخصي والسياسي والحزبي لصالح العيش المشترك في لبنان، وله تجربة بارزة بذلك في انتخابات بلدية بيروت، وعندما تخلى عن مقعد وزاري شيعي لصالح النائب فيصل كرامي لضمان تشكيل الحكومة.
بالمقابل، لا شك أن بعض القوى السياسية التي صوّرت المعركة على أنها معركة سياسية، تجد في النتائج فرصة للاستثمار السياسي، وستسعى لجعلها مثالًا يمكن البناء عليه في مؤسسات أخرى.