المحلية

الجمعة 21 تشرين الثاني 2025 - 08:03

هل يحنّ الأميركيون لـ"إبراهيم طنّوس"..؟

هل يحنّ الأميركيون لـ"إبراهيم طنّوس"..؟

"ليبانون ديبايت"- عبدالله قمح


تُزعج العبارات التي يطلقها قائد الجيش العماد رودولف هيكل المسؤولين الأميركيين بشكل متزايد. هؤلاء الذين يترددون إلى بيروت بشكلٍ متوالٍ، لا يخفون امتعاضهم من استمرار قيادة الجيش في استخدام مصطلحات من نوع "جيش الاحتلال الإسرائيلي" أو "جيش العدو الإسرائيلي"، مفضّلين التسمية الرسمية المتداولة: "جيش الدفاع الإسرائيلي".


آخر المنزعجين كان عضو الكونغرس، ليندسي غراهام، الذي اعتبر وصف العماد هيكل لإسرائيل بأنها العدو "انتكاسة كبيرة" لجهود دفع لبنان إلى الأمام.


نصيحة أميركية


قبل أسابيع، زار مسؤول أميركي سابق لبنان، وعقد سلسلة لقاءات ذات طابع سياسي وأمني. وخلال حديثه عن المرحلة الراهنة، تطرّق إلى وضعية الجيش اللبناني واستثمار بلاده الطويل فيه.


قال بوضوح إن واشنطن "تفضّل جيشاً مختلفاً". والمقصود بالاختلاف، بحسب تعبيره، هو جيش برؤية مختلفة ومهام مختلفة.

فُهم من كلامه أن هذه "المهام المختلفة" ليست سوى نواة فكرة الالتحام الفكري مع حزب الله، لا الجسدي الآن على الأقل. أي أن المطلوب هو تغيير هندسي شامل في العقيدة القتالية للجيش ونظرته للوقائع، بما يجعلها أكثر "انسيابية" وفق المفهوم الأميركي.


هذا الموقف يتقاطع مع توجهات مسؤولين سياسيين وعسكريين أميركيين زاروا لبنان في السنوات الأخيرة، وجميعهم يدعون إلى تغيير الخطاب اللبناني وإلغاء مصطلح "العدو" من قاموس المؤسسات الرسمية.


هيكل يتحدى!


ما أثار انزعاج واشنطن أخيراً أن العماد هيكل يُكرّر استخدام المصطلحات ذاتها في مراسلات ولقاءات رسمية، متجاهلاً النصائح الأميركية. وخلال ثلاث جلسات لمجلس الوزراء شارك فيها قائد الجيش، خُصصت اثنتان منها لمناقشة تقارير المؤسسة العسكرية، وصف هيكل إسرائيل بـ"جيش العدو" و"دولة العدو"، في تجاهلٍ واضح لنصائح تلقّاها سابقاً.


أكثر من ذلك. وخلال إجتماعات آلية تطبيق ما يسمى وقف إطلاق النار الـ"ميكانيزم"، يصر ممثل الجيش على إستخدام نفس العبارات تماماً أمام الضابط الأميركي والضباط الإسرائيليين، ما يعتبروه تحدياً لهم.


إقتلاع فكرة معاداة إسرائيل


قد يعتقد البعض أن وصف إسرائيل بالعدو، تفصيل صغير لا ينسجم مع انشغال واشنطن بإعادة بناء المنطقة. لكن هذا تصور خاطئ. فالأميركيون يهتمون جداً بهذه التفاصيل لأنها ترسّخ صورة إسرائيل كدولة معادية، فيما تعمل واشنطن وحلفاؤها على اقتلاع فكرة العداء لإسرائيل من الوعي اللبناني.


تستند واشنطن في رأيها هذا إلى أن رئيس الجمهورية جوزاف عون أدرج مصطلح "التفاوض مع إسرائيل" في القاموس السياسي اللبناني، بصرف النظر عن تجاوب تل أبيب أو واشنطن. وتعتبر هذا التطور تقدماً يجب على الجميع مواكبته، وفي مقدمتهم الجيش الذي يؤثر أي قرار يتحذه على مختلف الأجهزة. فإدراج مفهوم التفاوض يعني، في نظر الأميركيين، اعترافاً ضمنياً بوجود إسرائيل.


لكن المشكلة أن القوانين اللبنانية ما تزال تُجرّم إسرائيل وتصفها بالعدو. وهذا ما تعتبره واشنطن عقدة أساسية. وتقول صراحة إنها تعمل مع حلفائها على تعديلها. غير أن هذا التعديل يحتاج –برأيهم– إلى تمهيد في الممارسة، وهو ما بدأ يلمسونه في خطاب عدد من المؤسسات الإعلامية، ومن جانب إعلاميين وسياسيين وأصحاب فكر وقادة رأي وأحزاب حيث بات هؤلاء أكثر قبولاً لفكرة السلام مع إسرائيل وإسقاط حالة العداء معها!


تطويع الجيش؟


في موازاة ذلك، هناك قضية مفتوحة اليوم في الولايات المتحدة حيث تدور في واشنطن نقاشات حول جدوى الاستمرار بدعم الجيش اللبناني. فثمة من يعتبر أن هذا الاستثمار غير مُجدٍ. في المقابل، هناك فريق يرى أن الاستثمار الأميركي الطويل، تدريباً وتسليحاً وتمويلاً ورعايةً، لا بد أن يؤتي ثماره، وأن واشنطن قادرة باستخدامه على "تطويع" الجيش والقوى العسكرية والأمنية الأخرى. والقادة السياسيين في لبنان يعلمون جيداً أهداف الإستثمار الأميركي. وبمرور الزمن تكيّفوا معه، ويدرك معظمهم أن هذا الاستثمار سيزهر. فصحيح أنهم يقولون أن واشنطن لا تطلب منهم شيئاً لقاء الدعم. لكن عاجلاً أم آجلاً ستطلب، لان لا شيء مجاني.


يذهب البعض أبعد من ذلك، متوقعين أن يضطر الجيش في نهاية المطاف إلى تعديل عقيدته جذرياً، بحيث لا تعود إسرائيل عدواً كما كرّسها القائد السابق للجيش ورئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود، بل يصبح الجيش أقرب إلى مفهوم أرسي وإعتمد زمن القائد الراحل العماد إبراهيم طنوس.



تُطرح هنا مسألة الضباط من الرتب الرفيعة المنتمين إلى “دورات” تأثرت بالميليشيات والأحزاب خلال الحرب أو كان لهذه القوى دور فيها، الذين تبنّوا العقيدة التي أرساها لحود ورعاها السوريون. وعلى الرغم من التحولات السياسية منذ 2005 وتراجع نفوذ دمشق، فإن هؤلاء الضباط باتوا على أبواب التقاعد. أما الضباط الذين دخلوا السلك بعد 2005، وتحديداً بعد 7 أيار 2008، فيعوَّل عليهم لإحداث "نفضة" داخل المؤسسة.


الحنين إلى طنوس


في هذا السياق، تتصاعد الضغوط على قيادة الجيش. من منع زيارة قائده واشنطن، إلى التهديدات بوقف المساعدات، والوعيد غير المكتوب بالعقوبات، إلى دفع الجيش من خلال "الميكانيزم" واتفاق 27 تشرين الثاني، نحو مأسسة مواجهة طائفة كاملة وحزب مؤثّر وبيئة جريحة. كل ذلك يصبّ في هدف واحد: إعادة تشكيل العقيدة العسكرية وتحويل وجهة العداء لديه.


تقول واشنطن ذلك بوضوح عندما تنتقد استمرار اعتماد مصطلحات العداء، أو إحجام الدولة حتى الآن عن الجلوس إلى طاولة مفاوضات علنية مع الإسرائيليين، وتوفر ظروف إنزلاق الجيش نحو مواجهة مع المقاومة.


ربما تحنّ واشنطن إلى زمن قائد الجيش السابق خلال ولاية الرئيس الأسبق أمين الجميل، العماد إبراهيم طنوس، حين كان ينسّق كل شاردة وواردة مع الموفد الأميركي الخاص آنذاك، دونالد رامسفيلد والملحق العسكري في السفارة الجنرال ستاينر. ويصمت عن قصف الأميركيين مناطق محددة، ويتجاهل إحتلال الاسرائيليين أراضٍ لبنانية وينسق معهم عبر الأميركيين، ويؤمن بأن "قصف المدن المأهولة عمل يؤثر في صناعة القرار". ربما أيضاً وأيضاً، يحن الأميركيين إلى سياسات طنوس التي أدت لإنقسام الجيش إلى مجموعات وفرق كل واحدة تتبع لزعيم طائفي، أو أنها تشتاق إلى قصف الجيش الضاحية وإقتحام أحيائها وتريد تكرار التجربة بأي ثمن. لكنها تتجاهل أن الوضعية إختلفت، وإن لبنان لن يبقى منه ما يذكر إن تحول الجيش إلى طرف في الأزمة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة