المفارقة أنّ ما حصل اليوم لم يكن مفاجئًا… لا للناس ولا للمتخصصين. فمصلحة الأرصاد الجوية حذّرت مسبقًا، والمتخصّصون في الأحوال الجوية، ومنهم الأب إيلي خنيصر، أكّدوا أنّ لبنان مقبل على 13 ساعة من الأمطار الغزيرة وأنّ كمية المتساقطات ستكون "حرزانة". ومع ذلك، غرقت الطرقات دفعة واحدة، كما لو أنّ التحذيرات لم تصل إلى المعنيين… أو ربما وصلت، لكن أحدًا لم يكترث.
من خلدة إلى طريق المطار، ومن الضاحية الجنوبية وتحديدًا حيّ السلم، سوق صبرا، وصولًا إلى سن الفيل وسوق الأحد، تجمّعت المياه بشكل كارثي. نفق كوستا برافا، طريق الأوزاعي، مستديرة الجندولين، الشفروليه، تقاطع الرحاب – المشرفية… كلها تحوّلت إلى مصائد سيارات ومواطنين.
لكن الفضيحة الأكبر تجلّت داخل وزارة العمل نفسها، حيث تسلّلت الأمطار إلى مكاتب الوزارة وحاصرت المواطنين. مشهد يليق بدول بلا بنى تحتية، لا بدولة تفترض أنّ لديها وزارة أشغال تعمل وتخطط وتراقب.
هنا يبرز السؤال المباشر الذي ينتظر اللبنانيون جوابًا واضحًا عليه: أين وزارة الأشغال؟ أين الوزير فايز رسامني؟
أين كان المعنيون حين صدرت التحذيرات المناخية؟ أين الصيانة الدورية؟ أين خطط الطوارئ؟ وأين أي إجراء كان يمكن أن يمنع تكرار الفضيحة السنوية التي تتكرر بحذافيرها منذ سنوات؟
كيف تُغرق "شتوة واحدة" مدينة بحجم بيروت في أقل من ساعة؟ من يتحمّل مسؤولية الطرقات التي تحوّلت إلى بحيرات، والسيارات التي تعطّلت وغرقت، والمواطنين الذين "تبهدلوا" وتأخّروا عن أعمالهم، والأضرار التي كان يمكن تفاديها بحدّ أدنى من العمل والجاهزية؟
ما جرى اليوم ليس "حدثًا طبيعيًا" بل تقصير رسمي فاضح. فشل لا يمكن تبريره ولا تغطيته. فشل متجذّر يجب أن يُحاسب أصحابه. والحدّ الأدنى المطلوب اليوم من وزارة الأشغال هو الظهور فورًا وتقديم تفسير واضح وصريح: ماذا فعلتم قبل المنخفض؟ ماذا لم تفعلوا؟ ولماذا تتكرّر الفضيحة نفسها كل عام رغم التحذيرات المسبقة؟
حتى ذلك الحين، تبقى الحقيقة واحدة: أول شتوة… كانت كفيلة بفضح دولةٍ لا تعمل.