لم يكن أمراً ديبلوماسياً معتاداً أن يُخاطب السفير الأميركي في بيروت ميشال عيسى لبنان عبر إعلام إسرائيلي. فهو أراد التأكيد أن “اليد الطولى” لإسرائيل، وأن تل أبيب لا تحتاج إلى إذن لتدافع عن أمنها، فمبدأ السيادة الأمنية هو أصل المنظومة الأمنية التي ترعاها واشنطن وتنفّذها إسرائيل. فما هو هذا المبدأ؟
بحسب مصادر عسكرية مطّلعة، فإن مبدأ السيادة الأمنية مرتبط بالاستراتيجية الدفاعية التي تبنّتها إسرائيل بعد أحداث “طوفان الأقصى”، وهي استراتيجية تعتمد على ثلاثة خطوط دفاع. الخط الأول هو ذاك الذي تُقيمه داخل ما تعتبره “مناطق الخطر”، والمتمثّلة اليوم في غزة وسوريا ولبنان. حجتها أن إسرائيل لا تثق بأحد لحماية أمنها، وبالتالي تتحرّك بنفسها، مع دعم أميركي مباشر.
وتشير المصادر إلى أن إسرائيل تسعى لتحقيق هدفين في مناطق “العدو” وفق تصنيفها: منطقة عازلة محتلة لا يكون فيها بشر وربما لا حجر، ومنطقة أخرى مستباحة أمنياً وخاضعة لمراقبة إسرائيلية مباشرة. وفي الحالة اللبنانية، تعمل إسرائيل على توسيع نطاق احتلالها بعمق 2 أو 3 كيلومترات، ثم جعل المنطقة الواقعة بين هذا الشريط المحتل ونهر الليطاني منطقة أمنية مستباحة، يقطنها السكان ولكنها تبقى تحت العين الأمنية الإسرائيلية.
ومن هنا ينطلق الهجوم الإسرائيلي المتواصل على قوات اليونيفيل. فإسرائيل تُريد أن تحلّ مكانها، ولا ترغب في أي قوة أخرى تُشارك في ضمان الاستقرار. وتقول في محادثاتها الدائمة مع واشنطن إنها لا تثق بأحد لحماية أمنها. وتتحدث المصادر عن وصول الاتهامات الإسرائيلية إلى حدّ اتهام اليونيفيل بتسريب معلومات أمنية خطيرة لحزب الله، وهو اتهام يندرج في سياق السعي الإسرائيلي لإعادة رسم قواعد الاشتباك جنوباً. علماً أن مهام اليونيفيل وحجم انتشارها يسيران بوتيرة تنازلية مع الوقت.
أما خط الدفاع الثاني في الاستراتيجية الإسرائيلية فهو الخط الحدودي نفسه، في حين يُشكّل الخط الثالث منظومات الدفاع داخل الأراضي المحتلة. وترى المصادر أن إسرائيل تُمارس مبدأ السيادة الأمنية في سوريا وغزة، وتريد فرضه كذلك على لبنان، بغض النظر عن قدرتها على النجاح.
وتعتبر إسرائيل أن الظروف اليوم مؤاتية لفرض إرادتها على لبنان، لذلك ترتفع الأصوات داخلها المطالِبة بعملية عسكرية واسعة. ويرى مراقبون دوليون أن السؤال المطروح اليوم ليس ما إذا كانت إسرائيل ستهاجم، بل كيف ومتى وبأي نطاق. فالجميع يُدرك أن القرار أميركي في الدرجة الأولى. ولذلك يسعى لبنان عبر تفعيل الدبلوماسية إلى تجنّب هذا المسار.
وبحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، فإن الولايات المتحدة وافقت على التصعيد الإسرائيلي الذي ظهر عبر استهداف الضاحية، لكنها لم توافق على العودة إلى حرب شاملة. ومع ذلك، تواصل إسرائيل مراسلة الإدارة الأميركية وإقناعها عبر الخرائط والصور بضرورة التحرّك قبل أن يتعاظم خطر حزب الله، فيما تُفاضل واشنطن بين الجبهات لتحديد اتجاه العمل، من إيران إلى لبنان وما بينهما.