أصدر البيت الأبيض استراتيجية جديدة للأمن القومي الأميركي تدعو إلى “تنمية المقاومة داخل أوروبا”، محذّرًا في وثيقة رسمية من أنّ القارة الأوروبية تتجه نحو تقويض الديمقراطية، وتعطيل مسار السلام في أوكرانيا، ومواجهة ما وصفته بـ“اندثار حضاري” نتيجة ارتفاع معدلات الهجرة وتراجع نسب الولادات.
وتحمّل الوثيقة القادة الأوروبيين مسؤولية إحباط الجهود الأميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، معتبرة أنّ حكوماتهم تتجاهل ما تقول إنه “رأي غالبية شعبية أوروبية واسعة” تطالب بوقف النزاع. كما شددت على أنّ “وقفًا سريعًا للأعمال القتالية” ضروري لضمان استقرار اقتصادات أوروبا، وتفادي أي تصعيد أو توسع غير مقصود للحرب، واستعادة التوازن الاستراتيجي مع روسيا، وفق ما جاء في الوثيقة المنشورة يوم الجمعة.
وتزامن إصدار هذه الاستراتيجية مع تكثيف الرئيس الأميركي دونالد ترامب جهوده لإيجاد تسوية تنهي الحرب في أوكرانيا، في خطوة تثير قلق العواصم الأوروبية من احتمال دفع واشنطن كييف نحو تنازلات قاسية تتجاوز حدودها السياسية.
وعكست الوثيقة، الممتدة على 33 صفحة، التحول الجذري في السياسة الخارجية الأميركية خلال عهد ترامب، حيث وضعت الهيمنة الأميركية في نصف الكرة الغربي في صدارة الأهداف القومية. وجاء فيها: “انتهت الأيام التي كانت فيها الولايات المتحدة تتحمل بمفردها عبء النظام العالمي”.
كما تُظهر الاستراتيجية زيادة عمق التباين الأيديولوجي بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، إذ تصوّر أوروبا كقارة تواجه انحسارًا اقتصاديًا مصحوبًا بما تسميه “احتمالًا أكثر قتامة يتعلق بمحو حضاري”.
وفي تحدٍّ مباشر للاتحاد الأوروبي، دعت الوثيقة واشنطن إلى “تنمية مقاومة المسار الحالي في أوروبا داخل دولها”، وأشادت بتصاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة للاتحاد، معتبرة تنامي نفوذها “عنصرًا للتفاؤل”. كما شددت على ضرورة أن تدافع الدبلوماسية الأميركية عمّا تعتبره “الديمقراطية الحقيقية وحرية التعبير، والتمسك الواضح بالهوية الوطنية للدول الأوروبية”.
وتضيف الاستراتيجية أنّ الولايات المتحدة ستشجع حلفاءها الأوروبيين على تعزيز هذا “الإحياء الروحي”، مشيرة إلى أنّ التوسع السياسي للأحزاب الوطنية في أوروبا يمنح واشنطن أسبابًا متزايدة للتفاؤل.
وتتضمن الوثيقة أيضًا تبنّي مبدأ “نقل الأعباء”، عبر مطالبة أوروبا بأن تتولى مسؤولية أكبر في الدفاع عن نفسها، بوصفها “مجموعة من الدول ذات السيادة المتحالفة”. كما تنص على إعادة النظر في انتشار القوات الأميركية عالميًا للتركيز على “التهديدات العاجلة داخل نصف الكرة الغربي”، وتقليص الوجود في مناطق تُصنّف بأنّها لم تعد أساسية للأمن القومي الأميركي كما في السابق.
ومن المقرر أن تتبع هذه الاستراتيجية مراجعة شاملة لوضع الجيش الأميركي العام المقبل، بما يتوافق مع أولويات السياسة الخارجية الجديدة.
أما الصين، فتتعامل معها الوثيقة بوصفها تحديًا اقتصاديًا بالدرجة الأولى، مؤكدة أن واشنطن ستسعى إلى “إعادة توازن العلاقة الاقتصادية معها بناءً على مبدأ المعاملة بالمثل والعدالة، للحفاظ على استقلال الاقتصاد الأميركي”، مع التشديد على الإبقاء على قدرة ردع عسكرية قوية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ “لمنع نشوب حرب هناك”.
وتخلص الوثيقة إلى أنّ هذا النهج القائم على مقاربة مزدوجة يمكن أن يحقق “حلقة تفاعلية إيجابية”، بحيث يمنح الردع العسكري مجالًا أوسع لخطوات اقتصادية منضبطة، في حين توفّر هذه الإجراءات الاقتصادية بدورها الموارد اللازمة لتعزيز الردع على المدى الطويل.