في افتتاح الجلسة الأولى من المؤتمر الثامن لمركز كارنيغي – الشرق الأوسط، قدّم نائب رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور طارق متري مقاربة واقعية لمسار عمل الحكومة في ظل بيئة داخلية وخارجية شديدة التعقيد، مبتعدًا عن منطق الشعارات والوعود السهلة، ومشدّدًا على صعوبة التحديات التي تواجه حكومة نواف سلام منذ انطلاقتها.
وفي حوار أدارته مديرة المركز مهى يحيى، أشار متري إلى أن الحكومة وُوجهت بتوقعات مرتفعة من اللبنانيين، سرعان ما اصطدمت بعقبات بنيوية وضغوط خارجية، إضافة إلى مقاومة سياسية وغير سياسية لمسار الإصلاح، لافتًا في المقابل إلى أن غالبية اللبنانيين لا تزال تطمح إلى إصلاحات فعلية ومكافحة جدّية للفساد، وهي أولوية تلتزم بها الحكومة رغم بطء التقدم.
وأوضح متري أن التشرذم داخل مؤسسات الدولة معروف المصدر، وأن العمل مستمر على الإصلاحات الاقتصادية والمالية، ولا سيما ما يُعرف بـ"قانون الفجوة"، الذي يُنتظر إقراره قريبًا لمعرفة مساره العملي، معتبرًا أن الحكومة قامت بما هو ممكن ضمن الظروف القائمة. وفي السياق الأمني، أكد أن الجيش اللبناني يؤدي دورًا جيدًا ويتمتع بمصداقية واضحة، وهو ما لمسه السفراء ميدانيًا خلال جولاتهم.
وفي ما يتعلق بسلاح "حزب الله"، كشف متري أن قائد الجيش اقترح خطة من خمس مراحل تنطلق من تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية، مشيرًا إلى أن بسط سلطة الدولة في المنطقة المحيطة بنهر الليطاني يشهد تقدمًا تدريجيًا، مع اقتراب الجيش من إنهاء مهمته جنوب الليطاني تمهيدًا للانتقال إلى مراحل لاحقة.
أما في شأن لجنة "الميكانيزم"، فرأى متري أنها تشكّل مساحة نقاش وإطارًا للإشراف والتحقق من احترام الاتفاقات، مؤكدًا التزام لبنان بها منذ اليوم الأول، في مقابل استمرار الخروقات الإسرائيلية، نافيًا امتلاكه أي معلومات عن تعيين ممثلين طائفيين داخل اللجنة.
وعن ملف إعادة الإعمار، أوضح متري أن المجتمع الدولي يربط دعمه ببسط سلطة الدولة كمدخل أساسي، معربًا عن أمله في أن تضطلع الدول العربية بدور داعم عبر علاقاتها الدولية. وفي ملف العلاقات مع سوريا، اعتبر أن لبنان يقف أمام فرصة تاريخية لبناء نمط جديد من العلاقات قائم على التعاون والاحترام المتبادل، بعد أكثر من أربعة عقود من التدخل السوري التي أصبحت من الماضي.
وكشف متري أن الرئيس السوري أحمد الشرع أبدى خلال لقاء مطوّل معه رغبة واضحة في التطلع إلى المستقبل، معتبرًا أن مصالح البلدين مترابطة في ملفات الطاقة والحدود واللاجئين والاستثمار، ومشيرًا إلى أهمية مرفأي بيروت وطرابلس بالنسبة إلى سوريا، وإلى إدراك الشرع لدور بيروت التاريخي ومحورية مرفئها.
وختم متري بالتأكيد على ضرورة إعادة بناء الثقة مع المنظمات الدولية، لافتًا إلى وجود اهتمام دولي متجدد بلبنان، في وقت يُنتظر فيه تسجيل عودة إضافية للاجئين السوريين، مع تنظيم أوضاع العمل والإقامة بما يوازن بين متطلبات السيادة وحاجات الاقتصاد، في محاولة لاحتواء التشرذم لا الاكتفاء بإدارته.