ألقى السيّد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين. ومما جاء في خطبته السياسية، توجيه وصية دينية استند فيها إلى وصية الإمام الخامس لأهل البيت الإمام محمد بن علي الباقر، مشددًا على تقوى الله، والتكافل بين الناس، وحضور الجنائز، والتلاقي في البيوت، معتبرًا أن إحياء هذه القيم هو إحياء لأمر أهل البيت، وأن الولاية لا تُنال إلا بالعمل الصالح والورع والاجتهاد. وأكد أن الالتزام بهذه الوصية يشكّل المدخل الأساس لتحمّل المسؤوليات ومواجهة التحديات.
وتطرّق فضل الله إلى التصعيد الإسرائيلي الأخير، مشيرًا إلى الغارات التي استهدفت مناطق عدة في الجنوب والبقاع والبقاع الغربي، واستمرار عمليات الاغتيال بحق مواطنين لبنانيين خلال تنقلهم أو أثناء عملهم، إضافة إلى الطلعات التجسسية للمسيّرات التي تخترق الأجواء اللبنانية وتصل إلى بيروت وضواحيها، في خرق واضح لقرار وقف النار. ولفت إلى أن كل ذلك يجري أمام أعين اللجنة المكلّفة بوقف إطلاق النار ومن دون صدور أي إدانة أو قرار يُلزم إسرائيل بوقف اعتداءاتها، في مقابل تجاوب هذه اللجنة مع مطالبها من الجانب اللبناني، التي وصلت إلى حدّ الطلب من الجيش تفتيش المنازل، كما حصل في قرية يانوح وغيرها، وغالبًا ما يتبيّن عدم صحة هذه الادعاءات.
وقال إن بات واضحًا أن إسرائيل ستواصل هذه السياسة وقد توسّعها، رغم التنازل الذي قدّمته الدولة اللبنانية بقبول التفاوض على الصعيد المدني بعد أن كانت ترفضه، معتبرًا أن هدف هذا التصعيد هو فرض المفاوضات تحت النار لزيادة الضغط على الدولة اللبنانية ودفعها إلى تقديم تنازلات لا تقتصر على نزع سلاح المقاومة، بل تمتد إلى مطالب أمنية وسياسية واقتصادية تمسّ سيادة الدولة وحريتها وقراراتها.
ودعا فضل الله الدولة اللبنانية، بوصفها المعنية بأمن المواطنين وسلامة الأراضي، إلى اتخاذ موقف حاسم في اجتماعها أمام اللجنة المكلّفة بوقف إطلاق النار، يقوم على اشتراط وقف الاعتداءات الإسرائيلية لاستمرار المفاوضات، محذرًا من أن استمرار التصعيد يسهّل على إسرائيل فرض شروطها.
وأشار إلى إدراكه حجم الضغوط التي يتعرض لها لبنان، مؤكدًا أن ذلك لا يعني الاستسلام أو تسليم القرار الوطني، لافتًا إلى أن لبنان يمتلك عناصر قوة داخلية وخارجية تتيح له، إذا أحسن استثمارها، منع إسرائيل من تحقيق أهدافها، وهو ما تؤكده المبادرات التي جرت وتجري باتجاهه. وجدّد دعوته اللبنانيين إلى تحمّل مسؤولياتهم والنظر بجدية إلى التحديات التي تواجه الدولة والمخاطر التي تهدد الوطن، مؤكدًا أنها لا تقتصر على طائفة أو مذهب أو كيان سياسي.
وشدد على أن المرحلة تستوجب توحيد الصفوف وتجميد الصراعات والخلافات، والخروج من الحسابات الخاصة التي تتفاقم يومًا بعد يوم، داعيًا إلى الالتقاء على موقف واحد يحفظ سيادة البلد ويمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها.
كما أكد أهمية انعقاد الجلسة التشريعية الأخيرة، معتبرًا أن تعطيل هذا المرفق الدستوري ينعكس سلبًا على كل مكوّنات الشعب اللبناني، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى تشريعات تيسّر شؤون الناس وتعالج مشاكلهم وتحقق الإصلاح المطلوب، مشيرًا إلى أن بعض القرارات الصادرة عن الجلسة عكست هذا المسار. ودعا الحكومة إلى الإصغاء لمطالب العاملين في القطاع العام لتفعيل عمل الإدارات والمؤسسات، وإلى مطالب المعلّمين في المدارس الرسمية والجامعة اللبنانية لضمان أداء دورها التربوي، والعمل بجدية لإيجاد حلول للأزمات المعيشية المتفاقمة التي تطال جميع اللبنانيين.
وفي الشأن الفلسطيني، أشار فضل الله إلى أن إسرائيل تواصل اعتداءاتها وحصارها لغزة بهدف دفع أهلها إلى الهجرة، فيما تعمل على تغيير الواقع الديمغرافي في الضفة الغربية عبر هدم البيوت وتجريف الأراضي الزراعية والمنشآت الحيوية ضمن خطة ممنهجة لخنق الوجود الفلسطيني. ودعا الدول العربية والإسلامية إلى تحمّل مسؤولياتها والقيام بالدور المطلوب منها دعمًا للشعب الفلسطيني، ومنعًا لتنفيذ المخطط الهادف إلى إنهاء القضية الفلسطينية.