تسنّى لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تلقّى دعوة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب للاجتماع معه في نهاية الشهر الحالي، أن يكون ترامب خامس الرؤساء الذين يتعامل معهم خلال وجودهم في البيت الأبيض، وذلك للمرة الخامسة منذ بدء ولاية ترامب الرئاسية الثانية قبل أقل من عام.
وعلى الرغم من أن البيت الأبيض لم يعلن برنامج الزيارة، فإنه من المتوقع أن يجتمع ترامب مع نتنياهو في 28 كانون الأول الحالي، في مستهل زيارة تستمر 8 أيام، وفقاً لتقارير غير رسمية، ما يعني أن نتنياهو سيمضي رأس السنة الجديدة في الولايات المتحدة.
وبالنسبة إلى كثيرين، فإن ترامب لا يشبه غيره من الرؤساء الأميركيين الذين اجتمع معهم نتنياهو بصفته رئيساً للوزراء، وحظي بهامش للاختلاف معهم في عدد من القضايا الرئيسية في الشرق الأوسط، وفي مقدمها المسألة الفلسطينية.
منذ انتخابه للمرة الأولى عام 1996 رئيساً لوزراء إسرائيل، اجتمع نتنياهو، الذي يتولى حالياً منصب رئيس الوزراء للمرة السادسة، واختلف بنسب متفاوتة مع الرؤساء الأميركيين السابقين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما وجو بايدن. أما الخلاف مع ترامب الآن فيبدو مكلفاً ومحفوفاً بمحاذير حيال ثلاثة ملفات رئيسية: الفلسطينيون وحرب غزة، وسوريا والرئيس أحمد الشرع، وإيران وبرامجها النووية والباليستية وميليشياتها في المنطقة. أما لبنان، فيُعد حالياً الخاصرة الرخوة في محاولات الولايات المتحدة إعادة رسم التوازنات الإقليمية.
وقال نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى سابقاً، إيتان غولدريتش، لصحيفة "الشرق الأوسط"، إن نتنياهو كان في الماضي يعترض على خطط الرؤساء الأميركيين، لكنه اليوم قد يكون مضطراً إلى توخي حذر أكبر مع ترامب، الذي إذا شعر بأن الطرف الآخر لم يعد ذا فائدة له، فإنه قد يتخلى عنه، كما حدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وأضاف أن هناك فارقاً كبيراً بين بايدن ومعظم الرؤساء الذين تعامل معهم نتنياهو، إذ كان الأخير سابقاً يحدد ما يعتقد أنه يستطيع الإفلات منه، بينما لا يرى اليوم فرصة كبيرة للخروج عن المألوف مع ترامب من دون توقع عواقب قاسية.
بدوره، رأى خبير الشرق الأوسط آرون ديفيد ميلر، الذي عمل مع إدارات رئاسية أميركية عدة، أن ترامب يختلف عن أي رئيس أميركي آخر، مؤكداً أنه لم يسبق لرئيس أن تعامل مع رئيس وزراء إسرائيلي بالطريقة التي تعامل بها ترامب مع نتنياهو.
وأشار ميلر إلى أن ترامب نفذ خلال ولايته الأولى وجزء من ولايته الثانية سلسلة مبادرات مؤيدة لإسرائيل، شملت الاعتراف بالقدس عاصمة لها، ونقل السفارة الأميركية، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وتجاهل سياسات الضم في الضفة الغربية، إضافة إلى دعم عسكري في مواجهة إيران.
غير أن ميلر لفت إلى أن ترامب تعامل في الوقت نفسه مع نتنياهو بصرامة أكبر من أي رئيس أميركي آخر، مذكّراً بتحذير وجهه له في تشرين الأول الماضي، مفاده أن الولايات المتحدة قد تتخلى عنه إذا لم يوافق على خطة النقاط العشرين لغزة، ما يعكس افتقار ترامب للحساسية العاطفية التي اتسم بها رؤساء مثل كلينتون أو بايدن.
وأكد ميلر أن ترامب يتمتع بهامش مناورة سياسي أوسع من أي رئيس أميركي آخر، نظراً إلى سيطرته على الحزب الجمهوري، ما يحرم نتنياهو من إمكان اللجوء إلى أي جهة سياسية أعلى.
من جهته، قال خبير شؤون لبنان وحزب الله في مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" ديفيد داود إن الاحتكاك بين نتنياهو والرؤساء الأميركيين كان قائماً منذ أيام كلينتون، مشيراً إلى أن نتنياهو يتمسك برؤيته الخاصة، وأن الاختلافات بين الدولتين طبيعية.
وأوضح داود أن كلينتون كان يعبّر عن غضبه في جلسات مغلقة، بينما أوباما نقل الخلاف إلى العلن، أما مع ترامب فلا يمكن ببساطة معارضته، إذ إن قوله الفصل.
وفي ما يخص غزة، رأى غولدريتش أن اللقاء المرتقب مهم، في ظل مخاوف من تراجع اهتمام ترامب بالمرحلة الثانية من خطته، معتبراً أن ذلك يمثل فرصة لإثبات أنه صانع سلام حقيقي يتجاوز وقف إطلاق النار.
وتوقع ميلر أن يعلن ترامب تشكيل مجلس سلام لغزة، ولجنة تنفيذية، وربما حكومة تكنوقراط فلسطينية، إضافة إلى احتمال نشر قوات من دول مثل أذربيجان أو إيطاليا في أجزاء من القطاع.
وأكد ميلر أن ترامب قادر على ممارسة نفوذ غير مسبوق على إسرائيل، يفوق ما قام به رؤساء سابقون مثل جورج بوش الأب أو رونالد ريغان أو حتى ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر.
ورجح أن تمر زيارة مارالاغو بسلاسة، لأن الطرفين بحاجة إلى بعضهما البعض، رغم غياب الثقة الكاملة بينهما، مشيراً إلى أن نتنياهو أكثر حاجة إلى ترامب في هذه المرحلة.
وفي ما يتعلق بسوريا، قال غولدريتش إن ترامب ربط نفسه بالحكومة الجديدة هناك ويرغب في نجاحها، مع تفهمه المخاوف الإسرائيلية، لكنه يسعى في الوقت نفسه إلى استقرار البلاد.
أما بشأن لبنان، فأشار إلى قلق أميركي من عدم نزع سلاح حزب الله مع اقتراب نهاية العام، مرجحاً ممارسة ضغوط على الحكومة اللبنانية، من دون الرغبة في عملية عسكرية إسرائيلية.
واتفق داود على أن لبنان ليس في صدارة الاهتمام الأميركي، في ظل الضربات الإسرائيلية الدقيقة ضد حزب الله، فيما رأى أن ضعف الحزب قد يسهل مسألة نزع سلاحه من دون حرب شاملة.
وختم ميلر بالإشارة إلى أن فرص تحقيق تقدم سريع على الجبهة اللبنانية تبقى ضئيلة، مذكّراً بأن اتفاق وقف النار الموقع في تشرين الثاني 2024 يقر بحق إسرائيل في الردع.