"ليبانون ديبايت" - علي الحسيني

بعيداً عن محاولات رفع التهم عن "حزب الله" في ما يتعلّق بقضية خروج العميل عامر الفاخوري من سجنه وبعيداً عن حجم تورّط "الحزب" في هذه التخريجة من عدمه، يُسجّل للسيد حسن نصرالله محاولته إقناع اللبنانيين بأنه في هذه القضيّة على وجه التحديد هو أقرب إلى الزوجة المخدوعة طبعاً مع الفارق الشاسع بين الخديعتين، ومع هذا فقد جاهد لفترة ساعة من الوقت تقريباً لرفع التهمة عن حزبه بعد الضجّة الكبيرة التي رافقت تحليق الطائرة الأميركية في الأجواء اللبنانية بعد أن أقلّت الفاخوري من عوكر.

انقسم اللبنانيون أوّل من أمس حول مضمون خطاب نصرالله والمواقف التي أطلقها والتي تراوحت فيها النبرة بين صعود ونزول، فمنهم من ذهب معه الى أخر بحر الشروحات ومنهم من استوقفته العديد من الأمواج التي ضاع بينها الحديث خلال معرض التبريرات في قضية الفاخوري كما لو أنهم استعادوا من زمن حرب تموز الجملة الشهيرة "لو كنت أعلم" التي ما زالت مفاعيلها تتردد حتّى اليوم.

على قاعدة "سنخوض البحر معك" غاص جمهور "الحزب" وبيئته في كلام السيد وراحوا يبحثون معه في الأعماق عن تبريرات يمكن أن تدعم هدف الإطلالة التي خُصّصت في الأصل لهم وإليهم أوّلاً من أجل رفع معنوياتهم وإزالة الشكوك من رؤوسهم هذا في حال وُجدت في الأصل وثانياً للقول لهم أن "الحزب" الذي يتغنّون بإنجازاته في الداخل والخارج والذي هزم الإسرائيلي "والتكفيري"، لا يُمكن ان يسقط سقطة كهذه أي الدخول في تسويات من هذا النوع مهما علا شأنها على الرغم من أن بعض حلفائه كانوا استبقوا الإطلالة بجملة تبريرات إنطلاقاً من مقولة "الضرورات تُبيح المحظورات".

وفي معرض الصورة التي تم نشرها أو تسريبها والتي ظهر فيها نصرالله وهو يُتابع خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال حديثه عن الفاخوري وشكره للحكومة اللبنانية على مساعدتها لإنهاء هذا الملف، ذهب جمهور "الحزب" الى ابرازها كدليل على أن نصرالله كان فعلاُ خارج تغطية المتابعة لحظة الإفراج عن "جزّار الخيام".

وأكثر من ذلك فقد رأى الجمهور نفسه أن استقالة رئيس المحكمة العسكرية حسين عبدالله من منصبه قد جاءت بطلب من الحزب من باب تدفيع الثمن على عملية الإفراج.

على الضفّة الثانية لم يمر كلام الأمين العام لـ"حزب الله" مرور الكرام إذ استوقف هذه الفئة مجموعة طروحات صُنّفت في قاموسهم بـ"المغالطات" خصوصاً في الشقين المتعلقين بكيفية خروج الفاخوري من دون علم "الحزب" وما كان يجب أن يفعله، وفي الشق المتعلق بدعوة اللبنانيين إلى تسهيل أمور بعضهم البعض في ظل هذه الظروف ومطالبتهم بغض الطرف عن بعض المستحقات المادية المتوجبة على جزء منهم ريثما تتحسن الأوضاع في البلاد وتعود الحياة إلى طبيعتها.

سأل نصرالله: هل المطلوب أن نُرسل الشباب لكي نمنع نقل الفاخوري من السجن إلى السفارة الأميركية مع ما يعنيه هذا الأمر من فتح اشتباك مسلح مع الجهة الامنية التي تقله؟، فجاءه الرد أن بإمكان "حزب الله" أن بإمكان الحزب إطلاق النار على الضابط الطيّار سامر حنّا أثناء تحليق طوافته فوق تلّة سجد في إقليم التفاح لكن لا يُمكنه منع إسقاط المُحاكمة عن عميل بحجم الفاخوري في محكمة هو من يُشرف على تعيين رئيسها.

أمّا في الشق المتعلق بتسهيل أمور اللبنانيين المادية، سأل البعض: لماذا هذا الإستخفاف كله بعقولنا، السيد نصرالله يُطالب بهذه التسهيلات ممن هم خارج مملكة حزبه، لكن عندما يتعلّق الموضوع بمؤسسة "القرض الحسن" التابعة للحزب، يسقط التكليف أو الدعوة تحت حجّة أن المودعين يُطالبون بأموالهم بشكل يومي ولذلك لا يُمكن عطف هذه المؤسسة على تلك المطالب، هذا مع العلم أن تأجيل الدفعات المتوجبة لفترة شهر أو شهرين لا يُمكن أن تضع "القرض الحسن" تحت العجز أو في دائرة الخطر لأسباب يعلمها الجميع.

وبين معسكر مؤيّد لحزب الله وأخر معارض له، لم يسقط نصرالله التُهمة عن بعض حلفائه الذين كانوا تناوبوا على توجيه "سهامهم" نحوه وبالشخصي في بعض الأحيان وذلك بعد الإفراج عن الفاخوري، فراح يؤنبهم واحداً تلو الأخر حتّى وصل إلى حد الطلب من "الأخوة" التعامل إخراجه من "تحالفنا وأخوتنا".

هنا تُشير مصادر مقربة من "حزب الله" إلى أن هذه النقطة على وجه الخصوص لم يكن بالإمكان المرور عنها مرور الكرام وقد تقصّد نصرالله تضمينها في كلمته وتأنيب هؤلاء الحلفاء على الإعلام لكي يعلموا حقيقة أحجامهم وأن الخطأ مع "حزب الله" بهذا الشكل، غير مقبول.