"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
عملياً، لا جديد سُجّل في ملف الترسيم البحري بين لبنان والعدو الإسرائيلي. يسيطر الجمود على الملف منذ قرابة الشهر أي حين إنهارت الجلسة الخامسة من المسار الذي اعيد للتو تنشيطه بفعل عدم تقيّد الطرف الآخر بالشروط المُّحددة للتفاوض غير المباشر. الوسيط الأميركي، وكما تسجل الوقائع الحالية المستقاة عن مصادر ذات اطلاع على الملف، لا زال يتموضع ضمن الدائرة ذاتها: إنتزاع اعترافات من لبنان حيال حصر التفاوض بين الخطين ١ و ٢٣، أي كما يطرح الجانب الإسرائيلي، و بخلاف ما يُطالب الجانب اللبناني بجعل سقف التفاوض يبدأ من الخط ٢٩.
في سبيل ذلك، يُظهر الجانب الأميركي قلّة اكتراث بالملف عملًا بقاعدة الإجهاز عليه إعلامياً وإخراجه من التداول، وهو توجّه يجد من يشاطره في الداخل، سيما مع تعويم فكرة ترسيم الحدود الشمالية مع سوريا التي تهدف في الواقع إلى تشتيت الأنظار عن ملف الحدود الجنوبية المنفصل بطبيعته. فالسفيرة الأميركية دوروثي شيا، غادرت بيروت إلى واشنطن في رحلة قيل إنها "إجازة عمل"، على أن تمضي نحو ٤ أسابيع. على المقلب الآخر، عيّنت وزارة الخارجية الأميركية الوسيط المباشر في ملف الترسيم، السفير جان دو روشيه، قائماً بالأعمال في السفارة الأميركية بقطر مطلع الشهر الجاري، ليضاف على سجله وظيفة جديدة إلى حين تعيين سفير في الدوحة. وفي هذا السياق، تُبدي مصادر متابعة للملف عدم اعتقادها بتأثير مهمة دو روشيه الجديدة على المهمة السابقة المتّصلة بالوساطة في ملف الترسيم، ذلك أن المفاوضات من الممكن أن تتحرك فور استلام دو روشيه لمنصبه الجديد. في المقابل، يُلاحظ مراقبون ورشة نشطة على الجانب اللبناني، تمثّلت قبل أكثر من أسبوع باستدعاء رئيس الجمهورية ميشال عون للوفد العسكري التقني المفاوض، ورصد نشاط مستجدّ أوسع رقعةً على صعيد وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر، وذلك، قد يكون له صلة بتوليها وزارة الخارجية بالوكالة، وهو ما أسفر عن تعزيز دائرة حضورها في الملف، وبالتالي تأثيراتها عليه، ما يُعدّ مفيداً بالنسبة لقيادة الجيش وطروحاتها.
عملياً، لا معلومات أو توجّهات جديدة أُبلغت إلى الوفد الذي اجتمع بالرئيس عون في بعبدا، كما تؤكد المصادر، لا بل كان هناك نقاش وتقييم للمراحل التي خيضت سابقاً، وسط تشديد وتأكيد على التزام المعايير ذاتها التي دُوّنت في محاضر الناقورة: رفض العودة إلى التفاوض بشروط مسبقة، والإنفتاح على نقاش كافة الخطوط وفقاً لما ينص عليه القانون الدولي. في ما له صلة بموضوع توقيع المرسوم ٦٤٣٣/٢٠١١، فرئاسة الجمهورية لا زالت تتريث على اعتبار أن المتغيّرات الأميركية على صعيد المنطقة قد تحمل معها شيئاً، لذلك لا بد من انتظار أي جديد وعدم المسارعة إلى حرق المراحل، وانتظار ما قد يخرج عن "الوسيط" الأميركي للبناء عليه في تقدير الموقف المقبل، على الرغم من أن مسألة التوقيع لا زالت تطرح نفسها بقوة على الطاولة على قاعدة "الخرطوشة الأخيرة".
في الواقع، ثمة من يعتقد أن الهدوء الأميركي الحالي، ومردّه إلى الترتيبات الداخلية الأميركية في ما له صلة بتوزيع المهام في وزارة الخارجية، ومن المفترض أن يلي ذلك توسعاً لدائرة الإهتمام على الصعيد اللبناني، ذلك، في ضوء ملاحظة عودة الإهتمام الأميركي إلى الشرق الأوسط عبر إعادة ترتيب ملفات المنطقة بدءاً من غزة، وهو ما تبلّغه أكثر من مسؤول لبناني، وعليه، يعتبر الجانب اللبناني نفسه مستعداً لإطلاق صفارة المفاوضات من جديد، من الجانب الأميركي تحديداً، وعلى الأرجح وفق صيغ أكثر ليونة، لكون الطرف اللبناني قد تقدّم بما لديه وينتظر الإشارة.
مع ذلك، لا يجوز توسيع دائرة التوقّعات في المرحلة الراهنة ربطاً بالتغييرات الأميركية المفترضة، مع ذلك، ينمو إعتقاد من أن العودة الأميركية المستجدة قد تكون مختلفة من حيث الأسلوب وذات انعكاسات، وقد نلحظ أن الجانب الأميركي يمكن أن يخفّض من مستوى طروحاته التي شهدتها طاولة الناقورة بعض الشيء عملاً بورشة الترتيبات تلك، ما يمهّد نظرياً إلى عودة الفريق اللبناني المفاوض إلى الطاولة التي غادرها على زعل.
ما يفرض هذا الجو، ملاحظة وجود مصلحة إسرائيلية ومسعى لإيجاد حل لمسألة الحدود العالقة مع لبنان. فصحيح أن الجانب الإسرائيلي يُمارس العرقلة، ويتريّث ويوحي عبر الإعلام بأنه ليس على عجلة من أمره، لكن الصحيح أيضاً أنه "مستعجل وزيادة" ويأمل إبرام "إتفاقية نفطيّة سريعة" غير مباشرة مع لبنان برعاية أميركية. وهذا ما ظهر جلياً، السبت، من خلال الحلقة الحوارية التي نظّمها المعهد الإسرائيلي للدراسات الأمنية (INSS) حيث شارك فيها الوفد المفاوض الإسرائيلي، الذي بيّن بوضوح الحاجة الإسرائيلية للتوصل إلى حل بأسرع وقت ممكن لاستخراج الثروة النفطية من قاع البحر، ولخلق مناخ آمن ومستقرّ لعمل شركات النفط في المنطقة، خاصة بعد أحداث غزة. ولم يُخفِ المحاورون تخوّفهم من التهديد الذي يمكن أن تلعبه المقاومة في لبنان، مما يؤثر على عملية استخراج النفط والغاز في حال عدم التوصل إلى حل لمسألة الحدود البحرية. هذا الجانب يُعدّ علامة إيجابية ومن صالح الوفد اللبناني، ويجدر أن تُستغل في تعزيز أوراقه وتقوية شروطه وفرضها على الطاولة، وتحقيق السقف الأعلى من المطالب اللبنانية.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News