Beirut
16°
|
Coming
Soon
Coming
Soon
بلديات
الرئيسية
الأخبار المهمة
رادار
بحث وتحري
المحلية
اقليمي ودولي
أمن وقضاء
رياضة
صناعة الوطن
"تلَيلْ" وَحظُّ الجثامينِ المُكتَمِلَة
روني الفا
|
الثلاثاء
17
آب
2021
-
5:31
"ليبانون ديبايت" - روني ألفا
جدولُ أسعارٍ جديدٍ للمحروقات لم يُعتَمَد بعد للبنزين والمازوت. البواخرُ تنتظِرُ التسعيرةَ التي " ستدعمُنا ". نحنُ تسعيرتنا المدعومةُ صَدَرَت. نموتُ بسعر تنكة. رُشُّوا الأوكتانَ على أضرحتِنا. أسعارُ أعمارنا محروقة. السياسةُ تعزّي أهل الضحايا وتتشاتَم. الموتُ حقٌّ في كل مكانٍ إلا عندنا. الموتُ برنامجٌ انتخابيٌ وسُباب.
لَم نرَ الشتّامين يقدِّمون شيئاً للناس. اشترى زعرانُ السياسةِ الناسَ بتنكةِ زيتٍ أو مرطبانِ كبيس. باعوا الشَّعبَ بتنكةِ بنزينٍ أو تنكةِ مازوت. شعبٌ مسكينٌ قلبُهُ أبيضُ مثل الثلج. صادَقَهم وصدَّقَهُم. كانَ يطيرُ من الفرح إذا التقى بهم. كان يولِمُ لهم ويتباهى بأنه يعرف أرقام هواتفهم. أحبَّهم ورَفَعَ صوَرَهُم وصفّق لهم. هم سفَلة. استغلّوا طهرَه. فضّوا بكارَتَه وهربوا. قطعوا عنه كل السّبُل. حتى ربطةَ الخبزِ خبزوها له بطحين الإذلال.
في عكّار مَظاهِرُ فَقرٍ توازي تلك التي تراها في بيافرا لكن فقرَها مجبولٌ بالكرامة. كَمْ مرّةً صرَخَتْ؟ كَمْ مرّةً غضبتْ؟ تتنفّسُ عكّارُ الدولة. كلّما طلبَت الحريّةُ شهداءً أعطاها العكاريونَ أولادها قرابيناً. تسألُ عكار نفسها اليوم: أيهما أفضل، مَواكبُ الشهداء أم مَواكبُ النوّاب؟ نوّابٌ صارتْ أثمانُهم أبخَسَ من ثمنِ صهريجٍ متفحّم.
في " تليل " بيوتٌ تنتظِرُ نتائجَ فحوصاتِ الدِّي أَنْ آيْ. الموتُ في عكار تصنعهُ المختبراتُ ويُعلَنُ في تقارير. حتى النظرةُ الأخيرةُ ممنوعةً على الأهلِ المفجوعين. سمعتُ أحدَهم يقولُ أنَّ الغضبَ سيطالُ أولادَ الزعماء. أحفادُهُم أيضاً لشدّةِ ما اقترَفوا.
جنسُ ملائكةِ وزارةِ الداخلية والعدلِ وسواهما مقابلَ ملائكةِ الجيشِ اللبناني وسواهم من المواطنين الذين ارتقوا شهداءً من " تليل ". غداً سيتحوّلُ ٢٨ مظلوماً في عكار إلى دقيقةِ صمتٍ قبل عودةِ عربدةِ السياسيين. ستعلَّقُ صُوَرُ الشهداء على بقايا الصهريج قبل احتفالاتِ التّكريم والتأبين. سنحتارُ من الأكثر براءة، صاحبُ الأرض أم صاحبُ الصهريج.
مسلسلٌ حقوقيٌ وقضائيٌ سيُعرَضُ أمامَنا في الإعلام. لن يتمكنَ المحروقونَ في المستشفيات من متابعةِ المسلسلِ بسببِ ذوبانِ أعيُنِهِم وآذانِهِم وإحكامِ رِباطِ الشاشِ المطَهَّرِ على رؤوسهم. بالطبع سنسمعُ نحن الذين لم نتفجَّر بعد بالعدالةِ للضحايا والتعويضاتِ ومعاقبةِ الفاعلين. كالعادة ستخرجُ الخطوطُ الحُمر لتفجِّرَ الصّهريجَ مرّةً جديدة.. وأخيرة.
١٥ آب ٢٠٢٢ سنحتفل بالذكرى السنوية الأولى لانفجار " تليل " تماماً كما كان ٤ آب ذكرى مماثلة لانفجار المرفأ ذكرى سنوية أيضاً . نحن متخصصون بالذكريات السنوية. أهم إنجازاتنا تماثيلٌ ونُصُبٌ تذكاريةٌ وأغاني مناسبات وقداديسٌ إحتفاليةٌ وحمامٌ أبيض نطلقهُ تخليداً لذكرى شهدائنا. نفتقرُ وسطَ كل هذه الإحتفاليات إلى مطرقةِ قاضي. حياتُنا مغمَضَةٌ وموتُنا غامِض.
بعد أسبوعٍ تعودُ الحياةُ الى طبيعتها. مع كل موتٍ نصبِحُ مَوتَى في قلوبنا. لم نعد نخافُ الموتَ لأنه اقتربَ منا كثيراً. وطنُنا جَعَلَنا نفضِّلُ موتَنا على حياتِنا. هذا من أهم إنجازاتِ الدولة في حياتنا. علَّمَتنا ألا نخافَ الموتَ وهو ما عجزت عنه أو كادت كل التعاليمِ السماوية. دولةٌ ملحِدَةٌ تغلَّبتْ على كل الشرائعِ السماوية. لم تحدّثنا يوماً عن الحياةِ الأبدية ونجحتْ رغم ذلك في تَحبيبِنا بالموت.
ثمَّةَ أبٌ ما زال يفتّشُ عن إبنِه في " تليل ". جالَ حول الصهريجِ مئةَ مرّة. لم يجد ابنَه بعد. ثمةَ أمٌ تنتظِرُ الدِّي أنْ آيْ. أكثرُ حظاً أولئك الذين دفنوا أولادَهم جثامينَ كامِلَة. حظُّكَ كبيرٌ أن تموتَ في لبنان جثماناً واحِداً غير مُنتَقَص. أن يتمَّ التعرّفُ إليك هو شرفٌ ومَكرمَةٌ من دولتِك. ستكون جثماناً بمزايا. بالطبع ستكونُ محطَ إعجابٍ وتقديرٍ لعشراتِ البياناتِ الصحفية. سيُتلى اسمُكَ في نشراتِ الأخبار وموجزِ أنباءِ وسائلِ الإعلام. قليلاً ويعودُ العهّارُ الذين قتلوكَ إلى كارِ الدعارة. تنكةُ زيت. تنكةُ بنزين. تنكةُ مازوت.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان،
اضغط هنا