"ليبانون ديبايت" - فادي عيد

مغدوشة البلدة الكاثوليكية الهادئة والهانئة، والتي تزخر بالكفاءات العلمية والطبية والتربوية والثقافية، والتي لم تشهد، رغم قساوة الحرب الأهلية التي عصفت بمنطقة شرق صيدا، أية اضطرابات طائفية أو مذهبية، والتي تظلّلها سيدة القنطرة من فوق، تحوّلت في الأيام الماضية إلى مسرح الحدث السياسي، ولكنها تعرّضت على مدى أسابيع، لما يشبه الإستهداف الواضح بخلفيات السرقة والإستئثار و"التشبيح" ووضع اليد، وذلك من خلال هجمات غوغائية متتالية، شنتّها بعض العصابات التي عاثت في البلدة خراباً وتكسيراً للمقدّسات والسيارات والمنازل، وتعدّيات على بعض المواطنين الذين صادفتهم.

كل ذلك تم ارتكابه تحت عنوان واضح وواحد هو "فائض القوّة" لدى هؤلاء، لا سيما وأنهم، وبحسب بعض أهالي مغدوشة، تجاوزوا قوة من الجيش ولم يأبهوا لوجودها، كونهم يعتبرون أنفسهم فوق المساءلة والقانون.

ف"القصة ليست قصة رمّانة، إنما هي قصّة قلوب مليانة"، لأن التوتّرات "لم تكن بنت ساعتها"، وإنما أتت في سياق تراكمات عديدة نتجت عن مسلسل من الإعتداءات التي تمثّلت بعمليات سلب وسرقة المواشي والمحاصيل الزراعية، وصولاً إلى التعدّي والضغط لإجبار أصحاب محطات المحروقات على فتحها لملء سياراتهم بالبنزين، بعدما كانوا طردوا أحد كبار السنّ، الذي حاول تعبئة البنزين من محطة في بلدة عنقون.

وإذا كان أهالي مغدوشة وفاعلياتها السياسية والدينية قد وافقوا على المعالجة "الحبّية" لكل ما سُجّل من اعتداءات بحق البلدة، فإن ذلك، لا يخفي، وكما يقول أحد أبنائها الذين شاركوا في الحراك الإستيعابي للأحداث، أن استهداف البلدة، لم يكن في سياق عفوي، أو مادي فقط، بل إن ما حصل شكّل اعتداءً على رمزية دينية، خصوصاً وأن مغدوشة مُدرجة على الخريطة الدينية في الأونيسكو، وقد شكّل الإعتداء عليها، موضع متابعة لدى الإعلام العربي والغربي، ذلك أن أكثر من بلدة في المنطقة شعرت أنها في دائرة الإستهداف بعد الإعتداءات المتكرّرة على أهالي مغدوشة.

والجدير ذكره في هذا الإطار، أن أهالي البلدة، قد شعروا منذ فترة معيّنة بأنهم خارج دائرة الإهتمام من قبل المسؤولين السياسيين في المنطقة، ولا سيما المسيحيين منهم، إذ لم تنفع أية مناشدات بتحريك هذه القوى السياسية، وبالتالي، فإن الأمن قد تحقّق بفعل انتشار وحدات من الجيش اللبناني في البلدة وعلى أطرافها، ووقوفهم في وجه مفتعلي الإشكالات والمعتدين وتجار البنزين في السوق السوداء.

وإذ تعود الحياة إلى طبيعتها بحذر في مغدوشة، يؤكد المصدر نفسه، أن أهالي البلدة يقفون وراء مطلب معالجة ذيول وأسباب ما تعرّضت له بلدتهم من خلال إزالة كل أجواء التوتّر بالكامل، وليس بطريقة "تبويس اللحى"، لأن ما حصل هو بمثابة جرس إنذار ومؤشّر على خطورة ما يحاك في الكواليس من محاولات لاستحداث أمر واقع في المنطقة برمّتها، وفرض أجندة لا تشبهها عنوانها زرع الفوضى، تبدأ بعمليات اعتداء وترويع، ولا تنتهي بالمواجهة الطائفية.