بعنوان "ياسين جابر... شاغل "حقيبة التحديات" في الحكومة اللبنانية الجديدة"، نشرت الصحافية نذير رضا مقالًا في صحيفة "الشرق الأوسط" تناولت فيه التحديات التي تواجه وزير المالية ياسين جابر في الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام.
وسلطت الضوء على تجربته السياسية السابقة ودوره المحوري في تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية، إضافة إلى علاقته بالمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وتطرقت الكاتبة إلى أبرز الملفات التي يعمل عليها جابر، ومنها إعادة هيكلة القطاع المصرفي، حل أزمة المودعين، تعيين الهيئات الناظمة، والإصلاحات المالية والإدارية، مؤكدةً أن الوزارة تلعب دورًا أساسيًا في معالجة الأزمات الاقتصادية المتراكمة.
كما أوردت في مقالها تفاصيل اللقاءات التي عقدها جابر مع ممثلين عن المؤسسات المالية الدولية، وناقشت جهوده لجذب الاستثمارات وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في إطار سعي الحكومة إلى إعادة إعمار لبنان واستعادة ثقة المانحين والمجتمع الدولي.
وجاء في المقال: "كما في بدايات ياسين جابر السياسية، كذلك في مهمته الحالية. كان الوضع في عام 2000 صعباً من حيث تعامل السلطات اللبنانية مع مطالب المجتمع الدولي بالإصلاح، وإقرار القوانين الإصلاحية وتنفيذها، وفي مقدمتها تعيين الهيئات الناظمة لقطاعات حيوية مثل الكهرباء والنفط والطيران المدني والاتصالات وغيرها، وذلك للحصول على حزمات المساعدات المتعاقبة في مؤتمرات دولية، بينها "باريس 1" و"باريس 2". واليوم، تشبه المرحلة الحالية تلك الفترة السابقة، مع إضافة تحدٍّ جديد يتمثل في إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأخيرة، وسط ضغوط دولية واقتصادية متزايدة.
ينحدر ياسين جابر من إحدى أكبر العائلات في مدينة النبطية، جنوب لبنان. وُلد في مدينة لاغوس، العاصمة السابقة لنيجيريا، في 15 كانون الثاني 1951، وهو نجل رجل الأعمال المغترب كامل جابر. أكمل دراسته الثانوية في مدرسة "الإنترناشونال كوليدج" (IC) في بيروت، وتخرّج من الجامعة الأميركية في بيروت حاملاً درجة البكالوريوس في الاقتصاد. وهو متزوج من وفاء محمد العلي، وأب لأربعة أولاد: كامل، سارة، تمارا، ونائل.
هاجر جابر إلى بريطانيا عام 1979 حيث أدار أعمال عائلته، قبل أن يدخل العمل السياسي رسمياً في عام 1995 عندما تولّى حقيبة وزارة الاقتصاد والتجارة في حكومة الرئيس الراحل رفيق الحريري، ثم شغل منصب وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة الرئيس عمر كرامي عام 2004. ومنذ انتخابه نائباً في البرلمان عام 1996، انضمّ إلى "كتلة التنمية والتحرير" التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، وكان له دور بارز في لجنة المال والموازنة، كما تنقل بين لجان أخرى، وصولاً إلى رئاسة لجنة الشؤون الخارجية عام 2018.
في شباط 2025، عُيّن وزيراً للمالية في حكومة الرئيس نواف سلام، ليواجه بذلك تحديات كبرى في ظل أزمات اقتصادية ومالية خانقة تتطلب إصلاحات جذرية.
تتمثل أبرز تحديات جابر في وزارة المالية بمواجهة السؤال الأساسي: هل سيتمكن لبنان من الاستفادة من الفرص المتاحة له دولياً وعربياً؟ وفي ظل ضغوط اقتصادية هائلة، تتوزع الأولويات بين الإصلاحات الداخلية، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، حل أزمة المودعين، إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة، واستعادة ثقة المؤسسات الدولية. كما تشمل الأولويات إصلاح قطاعي الكهرباء والاتصالات، تفعيل المطار، تعيين الهيئات الناظمة، ومخاطبة المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وتُعتبر وزارة المالية محورية في تنفيذ خطط الإصلاح، ما يجعل جابر أحد أبرز الشخصيات الفاعلة في الحكومة، إلى جانب رئيس الوزراء نواف سلام. كما أنه جزء من فريق وزاري يضم نائب رئيس الحكومة طارق متري ووزير الثقافة غسان سلامة، اللذين يتمتعان بخبرة سياسية وإدارية واسعة، إلى جانب شخصيات أخرى بارزة مثل وزير الاقتصاد عامر البساط، ووزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد التي تمتلك تجربة في البنك الدولي، ووزير الطاقة جوزيف صدي.
تجربة ياسين جابر الممتدة على مدى 30 عاماً في العملين النيابي والحكومي جعلته يدفع باتجاه تسريع الإصلاحات، حيث لعب دوراً أساسياً في إعداد وإقرار القوانين داخل البرلمان، ثم متابعة تنفيذها في الحكومات المتعاقبة. واليوم، حين وضعت حكومة سلام جدول أعمالها، أعدّ جابر قائمة بعشرات القوانين الإصلاحية التي سبق إقرارها وتحتاج فقط إلى مراسيم تطبيقية، وسلّمها إلى رئيس الحكومة، الذي بدوره طلب من الوزارات الإسراع في تنفيذها.
وفي خطوة لتعزيز الشفافية، أصدر جابر توجيهات للمؤسسات العامة لإجراء تدقيق خارجي لحساباتها، كما أكد على جدية الحكومة في تعيين الهيئات الناظمة ضمن آلية شفافة تعتمد على الكفاءة.
يرى جابر أن تعيين الهيئات الناظمة في القطاعات المختلفة هو المفتاح الحقيقي للإصلاح، وهو ما ناقشه خلال اجتماعه مع نائب رئيس البنك الدولي عثمان ديون، حيث تطرّق إلى برنامج المساعدة الطارئة للبنان (LEAP)، وهو مبادرة متقدمة لإعادة الإعمار بقيمة مليار دولار، يساهم فيها البنك الدولي بـ250 مليون دولار، فيما يتم تأمين المبلغ المتبقي من قبل المانحين وأصدقاء لبنان.
خصص البنك الدولي دعماً بقيمة 250 مليون دولار لإعادة تأهيل البنى التحتية وإزالة آثار الدمار، إلى جانب 200 مليون لدعم القطاع الزراعي، و250 مليوناً لشبكات المياه، و30 مليوناً لتطوير البنية التحتية الرقمية. وأكد جابر للمسؤولين الدوليين التزام الحكومة بتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، في خطوة تهدف إلى استعادة ثقة المؤسسات الدولية بلبنان.
إلى جانب البنك الدولي، يسعى جابر إلى تعزيز التعاون مع صندوق النقد الدولي، حيث التقى الممثل المقيم للصندوق في لبنان، فريدريكو ليما، وأبلغه بجدية الحكومة في تنفيذ الإصلاحات، وهو ما تبعه بيان من واشنطن يرحب بالتعهدات اللبنانية. ومن المقرر أن يزور وفد الصندوق بيروت الأسبوع المقبل للانطلاق في المفاوضات، في خطوة رئيسية نحو تحقيق الاستقرار المالي.
وسّعت وزارة المالية نطاق اتصالاتها لتشمل سفراء الدول الصديقة وممثلي المؤسسات المالية الأجنبية، كما فتحت قنوات تواصل مع "مؤسسة التمويل الدولية" (IFC) لإطلاق مشاريع تنموية من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مستفيدة من القانون الذي أنجز عام 2017 لتنظيم هذا النوع من التعاون.
ومن بين المشاريع التي يوليها جابر اهتماماً خاصاً: تأهيل مطار القليعات شمال لبنان، وإعادة تأهيل المدينة الرياضية، بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية، وتشجيع المغتربين اللبنانيين على الاستثمار في وطنهم.
يشكّل إصلاح القطاع المصرفي أولوية قصوى لوزارة المالية، ويؤكد جابر أن تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان خطوة ملحة تمهّد لإصلاح القطاع المالي. كما يعمل على تعيين مستشارين متخصصين في مجالات البنوك والضرائب والمؤسسات المالية الدولية، بهدف إعادة الثقة إلى القطاع المصرفي، والتخلص تدريجياً من الاقتصاد النقدي الذي بات يهيمن على التعاملات المالية في البلاد.
كما شدد الوزير على التزام الحكومة بإعادة أموال المودعين، مشيراً إلى أن خطة العمل تتضمن صرف ودائع صغار المودعين أولاً، ثم الانتقال تدريجياً إلى تسديد كافة الودائع العالقة على مراحل.
يضع جابر قطاعي الجمارك والدوائر العقارية على رأس أولوياته، نظراً لدورهما في توفير الإيرادات للدولة. ويعمل حالياً على إعادة هيكلة الأنظمة الإدارية وترشيقها لتسهيل معاملات المواطنين وحماية مصادر دخل الدولة. كما يسعى إلى تعزيز حماية المستهلك وتشجيع الاستثمار، عبر تخصيص مناطق صناعية على أراضي الدولة لدعم القطاعات الإنتاجية، وتحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة.
مع تسارع وتيرة الإصلاحات، يرسل جابر إشارات تفاؤل حول إمكانية تحقيق "بداية جديدة" في لبنان. ويؤكد أن الالتزام بتنفيذ الإصلاحات شرط أساسي للحصول على المساعدات الدولية، مشدداً على أن هذه الإصلاحات ستساهم في إعادة لبنان إلى مساره الصحيح، واستعادة ثقة المستثمرين المحليين والدوليين."
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News