المحلية

الجمعة 16 تشرين الأول 2015 - 08:13 الجمهورية

بَحرُ تركيا يبتلع آل صفوان وبِكر العائلة يروي..

بَحرُ تركيا يبتلع آل صفوان وبِكر العائلة يروي..

"وَين مسافر؟ أوعى تسافر، آخِر مرّة بقول...". ذابَ قلب مايزة وهي تصرخ بأخيها مايز صفوان وأسرته محاولةً ثنيَهم عن قرار السفر الذي أجمعوا عليه "بليلة ما فِيا ضو قمر"، على حدّ تعبيرها، بعدما ضاقت الظروف المعيشية، وانسَدّ الأفق بوَجه العائلة. فقرَعوا باب الهجرة، من دون أن يُدركوا أنّهم بذلك يقرعون باب الموت الذي خَطف منهم 7، وفُقد إثنان.

تُسابق دموع مايزة دموعَ الشمعة المضاءة على أرواح عائلة أخيها التي داهمَها الموت خلال انتقالها بطريقة غير شرعية على متن قارب مطاطي بين تركيا واليونان. لحظةً تصمت وساعات تبكي وهي في حيرةٍ من أمرها: "تراني أندبهم أم أندب نفسي اليتيمة بعد رحيلهم؟". سؤال أبكى النسوةَ المتّشحات بالسواد واللواتي غصَّ بهنّ منزل العائلة.

لهذه الأسباب هاجروا...

كموج البحر الهائم على جدران بيت آل صفوان الكائن في عرض البحر في الأوزاعي، تَقاطرَ القريبون والبعيدون إلى منزل العائلة محزونين، مستنكرين، مفجوعين.

"شو صاير عليُن يسافروا كلّن سَوا؟" سؤال واحد تردَّد على ألسِنة المعزّين. ولكن سرعان ما ارتسَمت أمامهم الأسباب وراء تلك الهجرة الجماعية، والتي أكّدها الأقارب "ربّ العائلة عاطل عن العمل ولا استقرار مادياً، كذلك أحد أحفاده يعاني من السكّري ويحتاج لمبلغ شهري من المال... وغيرها من الأسباب العائلية الضاغطة، أضِف إلى أنّ وضع البلد "بخَلّي الواحد يهِجّ"...".

وتحت وطأة الصدمة تتحدّث مايزة: "أناشد الحكومة والوزراء والنواب أن يتحرّكوا رسمياً لإجراء كلّ ما يلزم لاسترجاع الجثث، ومتابعة مصير المفقودين، خصوصاً أنّ السفارة لا تبدي كاملَ التعاون معنا، ومن أصل 10 مرّات نتصل بها، تُجيب مرّة!".

تَصمت، تَجهش بالبكاء، وتتابع محاوِلةً التغلّب على الغصّة في صوتها: "إبنة أخي خرجت لتعالج ابنَها بعدما ضاقت بها الظروف في لبنان وتَمنَّعَ عدد من المدارس من قبوله، لذا تركت زوجَها في لبنان مصطحبةً أولادها الثلاثة".

على رغم الغصّة والرجفة التي تتملّكها كلّ لحظة يردّها اتّصال أو خبر عاجل عن انتشال جثّة جديدة لأفراد العائلة، تحاول مايزة التمسّك بخبر نجاة ابن شقيقها ماهر (15 عاماً)، فتقول: "إتّصَل بي ماهر قائلاً: عمتو نِحنا غرِقنا»، غِرقِت فينا السفينة، ولا عِلم لي عن أفراد العائلة لأنّ الظلام يكتنف المكان، وسَبحتُ نحو ساعتين لأتمكّن من النجاة، كذلك نجا شقيقُه موسى". وتعود مايزة لتستسلم لبكائها، متمتمةً: "يا ألله ألطف بعبادك، يا الله هَوِّنا علينا".

نَصحتُ أبي مراراً...

في المقلب الآخر، وخلف المنزل، اجتمعَ الرجال في "بورة" يتقبّلون التعازي. الصمت والوجوم سيّدا الموقف، "الخسارة كبيرة، ويوماً بعد يوم يزيد ثقلها"، يقول أحد الأقارب.

أمّا محمد، الإبن البكر لعائلة صفوان (28 عاماً)، فقد بدا في الظاهر متماسكاً، أمّا في الباطن فبُركان نار يغلي، وكأنّ الأرض ضاقت به بَعد المصاب الأليم. في يده اليمنى جوازُ سَفره وفي اليسرى يحمل هاتفَه متلهّفاً لخبر يُبرّد أعصابه، مرّةً ينضمّ إلى التعازي مع الرجال، ومرّات يدخل منزله.

في ذروة وجَعه، أفرجَ عن مكنونات صدره، قائلاً: "شاءت الصدَف ألّا أكون مع عائلتي، نظراً إلى أنّني كنت أنوي السفر إلى أفريقيا بداعي العمل. كانت الأمور تسير على خير ما يرام، واطمأننتُ أنّهم وصَلوا بسلامة إلى تركيا، وأبلغوني أنّ أحدهم سيؤمّن لهم الهرب إلى اليونان والمسألة مضمونة".

ويضيف: "آخِر مرّة تواصَلنا فيها كانت ليل الاثنين، أمّي وأبي وإخوتي وشقيقتي الكبرى وأولادها وابن عمّي وابنه، جميعهم انطلقوا من إزمير على متن قارب إلى اليونان... وصباح الثلاثاء وصلَنا خبر الفاجعة تباعاً، بعد نجاة شقيقين لي، وفاة أبي، وشقيقتي، وزوجة أخي الحامل... من أصل 12 فرداً لم ينجُ إلّا ثلاثة، ويبقى مصير اثنين مجهولاً". مِن حرقة قلبٍ يقول: "نمتُ أملك عائلة متماسكة واستيقظت يتيماً، خسرتُ عائلتي".

وعمّا إذا نصَح والده بعدم الهجرة، يقول:"نصحتُ أبي مراراً، وكان جوابه: اللي كاتبو الله بِصير". ويضيف: "ربّما أحدهما استغلّ الوضع وخفّف على أبي الفكرة بمعنى أنّها مجرّد ساعة في عرض البحر والمستقبل سينفتح أمامه، إلّا أنّ شبح الموت اصطادهم".

أعادت فاجعة عائلة صفوان إلى أذهان اللبنانيين سيناريو المأساة المتكررة التي أصابت أعداداً من عائلات اللاجئين السوريين في الأعوام الأخيرة، لا سيّما قصّة الطفل ايلان التي هزّت العالم... مئات العائلات سافرَت على أمل الفرج فلاقت الموت في عرض البحر.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة