أدّى ترشيح النائب وليد جنبلاط النائب هنري حلو إلى إفقاد الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون الأكثرية النيابية التي تؤهّلهما للفوز بالرئاسة، فيما لو انحاز إلى أحدهما لما كان هناك من فراغ رئاسي. لا أحدَ يناقش حقّ أيّ مرشح في الترشح الى الرئاسة الأولى وتحديداً، حلو الذي يُصنّف في خانة المرشحين التوافقيين الذي يحظى بدعم واضح من كتلة نيابية وازنة، ولكنّ النقاش هو حول الخلفية التي دفعت جنبلاط إلى هذا الترشيح: هل الهدف منه قطع الطريق على جعجع وعون؟
الاحتمال الأوّل أن يكون جنبلاط وبإيحاء من «حزب الله» لا يريد أن ينتخب عون رئيساً، وهذا ما يفسِّر عدمَ سعي الحزب لدى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي لإنتخاب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح». فعدم انتخاب جنبلاط عون لا يندرج في خانة حرصه على العلاقة مع «القوات»، لأنّ هذا الاعتبار يسقط مع استعداده انتخاب فرنجية لا شخصية توافقية.
ومَن يدعم خيار فرنجية حرصاً منه على إنهاء الفراغ، يمكنه دعم خيار عون للسبب نفسه. والمشترك بين ترشيح الحريري لعون وفرنجية هو عدم حماسة الحزب لأيٍّ من الترشيحين، ما يؤشر إلى موقف ثابت للحزب بتبديته الفراغ لاعتبارات تبدأ من عدم رغبته في انتخاب عون ولا خسارته كحليف في الوقت نفسه، ولا تنتهي بالموقف الإيراني والأزمة السورية.
الاحتمال الثاني أن يكون لأسباب جنبلاطية ذاتية تتصل بثلاثة أبعاد:
البعد الأوّل يتعلق بخشيته من التسونامي العوني بعد الرئاسة على غرار الخشية التي أبداها من التسونامي نفسه عشية عودة عون من الإبعاد القسري إلى الخارج، وليس خافياً أنّ جنبلاط لا يستسيغ عودة الدور المسيحي لحسابات تتّصل بالتوازنات في جبل لبنان الجنوبي وسيطرته المطلقة سياسياً في هذه المنطقة وعدم رغبته بالعودة إلى سياسة تقاسم النفوذ داخلها.
فانتخاب عون الذي يُعتبر تياره عابراً للمناطق المسيحية سيجعله في موقع الرافض لأيّ تساهل في الحصة المسيحية، خلافاً لفرنجية الذي يتركز تياره في زغرتا وسيتّجه إلى غضّ النظر عن التمثيل المسيحي في جبل لبنان الجنوبي، فضلاً عن أنّ العلاقة بين عون وجنبلاط لم تشهد استقراراً فعلياً
باستثناء الفترة الأخيرة التي دعم فيها جنبلاط بقوة التسوية العسكرية، الأمر الذي أثار في حينها الاستغرابَ لجهة حماسته لهذا الخيار ووقوفه إلى جانب عون، ولكن سرعان ما تبيّن لاحقاً أنّ جنبلاط كان يرمي من وراء هذه الخطوة الاستباقية للتسوية الرئاسية إلى التعويض على عون عسكرياً من أجل تسهيل انتخاب فرنجية، وبالتالي لم تكن من موقع الحرص والتقدير والاستجابة لمعيار التمثيل، بل لتسهيل التسوية الرئاسية.
والبعد الثاني يتّصل بطبيعة كلٍّ من عون وفرنجية من زاوية أنّ الأخير كان جزءاً لا يتجزّأ من منظومة الحكم السورية التي كان جنبلاط أيضاً شريكاً فيها، وبالتالي بمعزل عن الاختلاف في الموقف السياسي بين جنبلاط وفرنجية، إلّا أنّ هناك ارتياحاً وتفاهماً متبادلان، فيما عون على غرار جعجع التفاهم معهما صعب ويدخل في خانة الاضطراري أو «الشرّ الذي لا بدّ منه»، كونهما من خارج المنظومة السابقة، واستيعابهما مستحيل، وإذا كان التحالف معهما مصدرَ إزعاج لدى حلفائهما لعدم القدرة على احتوائهما، فكيف بالحري في حال وصول أحدهما إلى الرئاسة؟
ولا يجب التقليل من عامل أنّ الرباعي «حزب الله» وأمل « و«الاشتراكي» و«المستقبل» اعتاد التعامل بعضه مع بعض على رغم الخلاف السياسي، وبالتالي يُفضّل ألف مرة الحفاظ على قواعد اللعبة نفسها من دون المجازفة في إدخال عون وجعجع إلى صلب معادلة السلطة، لأنّ كلّاً منهما سيرسي على طريقته قواعد عمل جديدة.
والبعد الثالث يرتبط بخشية جنبلاط من تقاطع جعجع-عون خصوصاً في حال تحوّل الى تحالف سياسي-انتخابي، وبالتالي مواجهة هذا الثنائي يُفترض أن تكون من مرشح صدامي لا توافقيّ، خصوصاً أنّ خطوة من هذا النوع تقطع تحالف «القوات» مع «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» مع «حزب الله» وتؤسّس لصراعات مسيحية - مسيحية جديدة، وكلّ ذلك يؤدّي بالمحصّلة إلى إبقاء المسيحيين في موقع الضعف.
ويبقى أنّ انحيازَ جنبلاط لفرنجية لا عون قد يكون نتيجة كلّ ما تقدّم أعلاه بدءاً من اعتباراته وحساباته الذاتية، وصولاً إلى التجاوب مع إيحاء «حزب الله» الذي يفضل عون الحليف على عون الرئيس.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News