المحلية

الخميس 21 نيسان 2016 - 12:11 ليبانون ديبايت

بلديات 2016.. الايرادات بين الهدر المالي وغياب السياسات الانمائية

بلديات 2016.. الايرادات بين الهدر المالي وغياب السياسات الانمائية

"ليبانون ديبايت" - المحامية رانيا إيليا نصرة:

قبل شهر على الموعد المرتقب لانطلاق عملية الانتخابات البلدية يستكمل موقع "ليبانون ديبايت" بنشر مجموعة مقالات حول البلديات في لبنان تتناول في أبعادها احاطة القارئ المواطن بدقائق العمل البلدي بدءا من تاريخ نشأة البلديات والقوانين التي تحكم عملها وصولا الى طرق الرقابة المسبقة واللاحقة عليها التي تم عرضهما ضمن مقالين نشرا سابقا على الموقع . ويتم استكمال ما بدئ في عرضه من خلال التطرق الى موضوع الايرادات البلدية التي تشكل نافذة تضيء على الامكانات المالية الموضوعة تحت يد البلديات ومدى تخصيص هذه الامكانات لتطوير الخطط الانمائية على كافة الاصعدة ضمن نطاقها.

من البديهي القول انه لا عبرة من التطرق الى موضوع الايرادات البلدية دون ذكر ضعف مقدراتها المؤسساتية ان لناحية التفاوت بين قدرات البلدية المتاحة امامها لتحصيل رسومها بشكل دوري عن طريق الجباية، وان لجهة الكفاءات العلمية للقيمين على ادارتها من خلال المراقبة الذاتية لعملهم والشفافية والنزاهة في انهاء المعاملات البلدية على وجه السرعة والمساواة فيما بين ابناء البلدة والوافدين من خارجها، وان لجهة شيوع منظومة الهدر المالي المستشري في معظم البلديات وذلك بفعل تفنن الجسم التنفيذي داخلها من سلوك اساليب التوائية لتحويل جزء من مقدراتها المالية اما لمصالح انتخابية بحتة تمهد لولاية جديدة بظل غياب قانون لا يجيز لرؤساء البلديات الترشح لولاية ثانية متتالية وهو فيما لو تحقق لكنا وفرنا اموال هائلة تهدر كل 6 سنوات من مقدرات البلديات لتوظيفها في معارك انتخابية لا تعود على ابناء البلدة بأية فائدة.

ويمكن ان تتجلى الاساليب المعتمدة في هذا الخصوص بصور عدة منها: الخدمات الشخصية، التلاعب في تخمين سعر المتر البيعي للعقار بغية الترخيص بالبناء، صرف مبالغ لمساعدات وهمية بالاضافة الى المساعدات التي يمكن ان تصرفها البلدية والتي لها سلطة استنسابية في تقرير الشخص الذي يستفيد منها مثل المساعدات المرضية لغير الموظفين والمنح المدرسية والجامعية وتغطية تكاليف مراسم الدفن... وهي في جميع اوجهها خدمات يمكن ان توجه لفئة معينة من ابناء البلدة من المحسوبين مباشرة من ضمن الاصوات الانتخابية التي ساهمت في وصول رئيس البلدية ومجلسه البلدي او لاؤلئك من الذين يُعمل على شراء ضمائرهم من خلال هذه الخدمات للمصلحة الانتخابية القادمة.

هذا فيما خص الهدر لمصالح انتخابية، ايضا يحصل الهدر في البلديات تحت مظلة الفساد الاداري وذلك حين يتم توظيف جزء من هذه الاموال ضمن مشاريع شخصية تفيد رئيس البلدية وحاشيته الممسكة لعجلة السلطة التقريرية داخل المجلس البلدي وذلك على سبيل المثال لا الحصر: خلق شركات وهمية للتعهدات وبيع وشراء العقارات ومشاريع البناء، اقرار والغاء تخطيطات استنسابية وذلك لا يشكل فقط هدرا لمقدرات البلدية بل سوء استعمال للسلطة بالرغم من ان جميع هذه المعاملات خاضعة لسلطات الرقابة الادارية.

يقتضي في البداية الاشارة الى ان دور رئيس البلدية على صعيد الموازنة البلدية هو حيوي جدا اذ مناط به وضع الموازنة موضع التنفيذ كما أنه يتقاسم مع المجلس البلدي صلاحية عقد النفقات. ومسألة وضع الموازنة موضع التنفيذ هو المعيار الذي يجعل بلدية تتقدم على بلدية من حيث توظيف وارداتها في مشاريع بحت انمائية وذلك يتحقق عندما تسعى السلطة التقريرية في البلدية الى اعتماد سياسة شفافة وممنهجة في تحقيق الرسوم وتحصيلها من خلال جهازها.

هذا من جهة، ومن جهة اخرى يكمن بيت القصيد في مشروع الموازنة بحد ذاته المعد من قبل رئيس البلدية وذلك كونه انعكاس كبير للنشاط البلدي الانمائي والثقافي المنوي تحقيقه خلال السنة المالية القادمة، كما انه انعكاس وترجمة حقيقية لنواياه المسبقة حول كيفية توظيفه لمقدرات بلديته المالية ويتجلى ذلك من خلال مقاربته لقيمة المبالغ المخصصة منه لصرفها على مشاريع قابلة او غير قابلة للتنفيذ!

بمعنى اخر ان السلطة التقريرية داخل البلدية على دراية تامة حول حقيقة المشاريع القادمة التي ستنفذ من تلك التي لن يصار الى تحقيقها وهي ايضا على دراية شبه تامة حول نسبة الواردات السنوية الى المخزون البلدي ان كانت تلك الوافدة من الجباية او عائدات الصندوق البلدي المستقل او العائدات من العلاوات والرسوم التي تستوفيها الدولة والمؤسسات العامة لصالح البلديات.

اذا، ان وضع الموازنة الذي يعتمد بشكل اساسي على مجموع الايرادات المعلومة مسبقا بشكل عام من خلال قيود السنة السابقة، مع الاخذ بعين الاعتبار المعرفة السابقة للسلطة التقريرية داخل البلدية حول المعوقات الواقعية والقانونية التي تجعل من الامكانية في مكان استكمال تنفيذ مشروع معين من عدمه، بالاضافة الى دراية الجهاز التقريري للبلدية حول كيفية التهرب والتلاعب على الية المراقبة المرنة المسبقة واللاحقة على عملها، انفاذا لما تقدّم تعمد اغلبية المجالس البلدية الى تجزئة النفقات في الموازنة في مشاريع جميعها متشابهة تهربا من اجراء منقاصات ترعى الشفافية وحسن المنافسة سندا للانظمة والقوانين المرعية الاجراء ما يجعل موازنة البلدية منذ وضعها موازنة حائزة على الشرعية المطلقة في ارساء سياسة الهدر المالي دون اي قيد او مهابة وتحت مظلة وحماية رقابات سلطة الوصاية كافة. وفي هذا المجال نرى من الضرورة تعزيز الشفافية المالية للبلديات عبر جمع ونشر الموازنات وقطع حساب البلديات، إذ لا يوجد في لبنان سوى خمس بلديات قد نشرت موازنتها وفقا للاصول.

هذا يشكل تصورا عاما حول المنهجية المعتمدة لدى اغلبية البلديات الحذقة في تسيير ودولبة عجلة ميزانيتها بما يتناسب مع اولياتها المقاسة بشكل عام على مقاس المصالح الشخصية والانتخابية للجهاز التقريري داخلها .

اما بالنسبة للايرادات المباشرة للبلدية فهي تشتمل على سبيل المثال لا الحصر على رسم القيمة التأجيرية ورسم الترخيص بالبناء والرسم على اماكن الاجتماع واندية القمار. تعتبر هذه الرسوم المردود الاكثر ارتفاعا . الى جانب هذه الرسوم يوجد كما سبق وذكرنا ايرادات غير مباشرة والتي تستوفيها الدولة والمؤسسات العامة لحساب البلديات وهي التي تشكل عائدات الصندوق البلدي المستقل ومنها على سبيل المثال ايضا علاوات على الايرادات الصافية الخاضعة لضريبة الاملاك المبنية النسبية، ونسبة عن الضريبة على ارباح المهن التجارية والصناعية والغير تجارية ونسبة على رسوم التسجيل العقارية، بالاضافة الى نسبة من رسوم المحروقات ونسبة من رسوم تسجيل السيارات... وعلاوة على رسوم الانتقال والتركات والوصايا.

وقد بلغت عائدات الصندوق البلدي المستقل ما بين الاعوام 1997 و2013 ما يقارب الـ 4897 مليار ليرة لبنانية وهو ما يطرح سؤالا بديهيا حول كيفية انفاق البلديات لهذه الاموال وما هي المشاريع التي انجزتها وحققتها كل بلدية؟ مع العلم ان البلديات الكبرى وعددها 18 بلدية فقد استحوذت على نسبة تفوق 60% من عائدات الصنوق البلدي المستقل، وحدها بلدية بيروت قد بلغت عائداتها منه ما بين العامين 1997 و 2013 نحو 666 مليار ليرة لبنانية اي ما يمثل 14% من اجمالي العائدات الموزعة على البلديات والاتحادات.

بالاضافة الى ما تقدم، يوجد عائدات غير مباشرة اخرى تدخل الى المخزون البلدي منها الرسوم المخصصة للبلديات عن اشتراكات استهلاك المياه والكهرباء وتلك المستوفاة من عائدات الهاتف الثابت والخلوي. وللبيان فقد تم مؤخرا اقرار حصة البلديات من الضريبة على الهاتف الخلوي للفترة الممتدة من 1/1/2010 لغاية 31/5/2014 بقيمة نحو 667 مليار ليرة لبنانية، انما تم تحويل هذه الاموال من وزارة الاتصالات الى وزارة المالية بشكل مخالف للقانون وذلك لكون هذه الاموال هي دين متوجب بذمة وزارة الاتصالات لصالح البلديات ويتم توزيعها كل 3 اشهر عليها! وهذه صورة بسيطة عن حلقة التفلت من احترام القوانين وبعث الفوضى في هيكلية العمل المؤسساتي لنظامنا تتجلى من خلال تنفيذ سياسات مالية غير متجانسة مع النصوص القانونية.

وقد لفتنا لدى مراجعة بعض الارقام المنشورة في الجريدة الرسمية بانه على سبيل المثال فقد نال اتحاد بلديات صور- لدى توزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل لعام 2014 – على مبلغ وقدره /2,623,299/ ليرة لبنانية مقابل /1,238,000/ ليرة لبنانية لاتحاد بلديات كسروان الفتوح و /1,762,000/ ليرة لبنانية لاتحاد بلديات المتن الشمالي والساحلي والاوسط! ان هذه الارقام ليست بحد ذاتها الا دلالة على وجوب اعادة الدولة للنظر بالالية المعتمدة لتحديد وتوزيع عائدات البلديات بحيث يصار الى اعتماد عدد السكان المقيمين بدلا من المسجلين فقط، ومن جهة اخرى، يمثّل توزيع العائدات وفقا لهذا المعيار نموذج عن عدم انتهاج الدولة لسياسة متكافئة او بالحد الادنى متناسبة مع الحجم الديمغرافي لبلدات معينة وحاجة بعض البلديات اكثر من غيرها لاكبر وفر من الامكانات المالية لانفاذ مشاريع وخطط انمائية تلبية للخدمات المختلفة التي توفرها ونظراً لتواجد مؤسسات عامة وخاصة مهمة واقعة في نطاقها...

ان المشاريع التي تقوم البلديات في تنفيذها تتفاوت من بلدية الى اخرى وهي مرتبطة بشكل او باخر بالقدرات المؤسساتية للبلدية التي ما زالت محدودة في كل جوانب ادارتها المالية، يضاف إليها الضعف في الجباية وقلة التنوع في الإيرادات، وعدم وضوح الأنظمة الداخلية وتوزيع الصلاحيات ومستوى الكفاءة المتوافر لدى الموظفين. وتشكل المقيّدات الإدارية والمالية لا سيما عدم انتظام دفعات الصندوق البلدي المستقل وسواه من المستحقات عاملا أساسيا في تراجع دور البلديات في خدمة المجتمع والتخطيط الإنمائي.

وغني عن البيان انه فيما عدا مشاريع التزفيت ومد شبكة الصرف الصحي وتحسين الانارة والطرقات داخل البلدية وغير ذلك من امور روتينية تقوم بها كافة البلديات، يتبين ان العدد الاكبر من البلديات غير قادرة على تنفيذ مشاريع مهمة في نطاقها اما لعدم توفر الامكانات المالية او لعدم امتلاكها للمساحات التي تمكنها من تنفيذ مشاريعها عليها ومرد ذلك الى كون البلديات لا تستفيد من املاكها التي تعد اليوم مصدرا مهما من مصادر إيراداتها وأداة أساسية في تحقيق الغايات الاجتماعية والثقافية والتنموية على المستوى المحلي، وهي على هذا الصعيد مدعوة الى مراجعة مديرية الشؤون العقارية والمساحة في وزارة المال - والتي تشكل مصدرا رئيسيا لتوفير المعلومات حول الأملاك التابعة للبلدية - لتتمكن من انفاذ المشاريع الحيوية في نطاقها بالاضافة الى شرعنة وتحديد هذه الممتلكات.

وفي النهاية اصبح معلوم من الجميع ان النسبة الكبرى من الإنفاق البلدي تذهب إلى صيانة البنى التحتية والطرق وما شابهها. والحال هذه، يتوجب على البلديات وخاصة بلدية بيروت حيث لديها وفر يتخطى 1500 مليار ليرة لبنانية ان تقدم على استملاك عقارات وتحويلها الى مواقف سيارات للعموم اولاقامة مساحات خضراء وتنفيذ الاستملاكات الموضوعة واستحداث مراسيم لتوسيع الطرق ... وفي جميع الاحوال يقتضي ان تسعى جميع البلديات الى دراسة تمويل وتنفيذ المشاريع في نطاقها ضمن منطق الاستثمار في البنى التحتية والحضارية أو المُدُنية توصلاً الى تنفيذ مقولة الانماء المتوازن وتمهيدا لتطبيق اللامركزية الادارية الموسعة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة