لا يرى المتحمسون لمبادرة باريس أنّ كلام زعيم المختارة يحمل في طياته ملامح خارجية لتسوية تطبخ على نار هادئة سترفع حظوظ الجنرال عون وتدخله القصر على حصان التوافق، لأنها اعتبارات محلية ترتبط بوضعية الجبل فقط، مع أنّ فرنجية كان واضحاً في حسم موقفه وبأنه سيقف خلف رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» اذا ما تمكّن من نسج التفاهم حوله.
ولكن بنظر هؤلاء فإنّ مبادرة باريس لا تزال قائمة وفيها من مقومات الصمود والحياة ما يسمح لها بأن تواجه المتغيرات السريعة الحاصلة على الساحة الداخلية، من دون أن تهتز أساساتها.
يكتفي هؤلاء بالسؤال عن موقف «حزب الله» حيال كل هذه التطورات، لا سيما تلك الحاصلة في الشارع السني، حيث يفترض منطقياً أن ينتاب القلق الضاحية الجنوبية اذا ما تبيّن لها أن خطاب التشدد والتحدي هو ورقة استقطاب هذا الجمهور وأنّ عمليات القضم باتت تنذر بما هو أبعد من الاستحقاق البلدي.
ولذا يعتقد هؤلاء أنّه ما دام «حزب الله» هو صاحب القرار الفصل في رئاسة الجمهورية، فهو بلا شك لن يكون معنياً بكل الفوضى التي شهدتها الساحة السنية مؤخراً، بمعنى أنّ خياراته الرئاسية ستتحدد وفق استراتيجيته وليس وفقاً لخطابات التعبئة التي تقدم أمام الجمهور «المستقبلي».
وبهذا فهو مرتاح جداً ما دام الترشيحان الجديان للرئاسة الأولى يعودان لحليفيه، عون وفرنجية، لأنه كيفما رست المفاوضات ستكون يداه في الماء البارد ولن يكون مضطراً للبحث عن ضمانات في أوراق اعتماد الرئيس في ما لو كان من الخانة الوسطية.
وبهذا تصبح الرئاسة أمام سيناريوهين: فإما أن يرفع سعد الحريري قبعته للتفاهم المسيحي ويفتح أبواب القصر أمام الجنرال، وبذلك سيكون نواب «حزب الله» من الجالسين على مقاعد التصويت في الهيئة العامة لوضع أصواتهم في الصندوقة الخشبية.. وإما يبقي على المبادرة الباريسية حيّة ليتمسك بقشتها، رفضاً للسير بترشيح جنرال الرابية.
ولكن للسيناريو الأول، وفق المدافعين عن المبادرة، محاذيره وتحدياته الصعبة. فإذا كان الحريري يواجه «الانفلاش الريفي» بسبب لجوء الوزير المشاغب الى مفردات التصويب على قوى «8 آذار» ومرشحيها الرئيسيين، فهذا يعني أنّ زعيم تيار «المستقبل» غير قادر على مداواة جراح جمهوره بترفيع شأن ميشال عون من زعيم مسيحي الى رئيس للجمهورية.
وقد يردّ المتحمسون لجنرال الرابية بأنّ فرنجية يواجه المشكلة ذاتها بكونه يتمتع بالمواصفات نفسها التي قد تحول دون احتضانه من جانب الشارع السني، فيقول المدافعون عن التفاهم الحريري - الزغرتاوي إنّ فرنجية أقرب الى الشارع السني من غيره، وأثبت هذا الجمهور في أكثر من مناسبة أنّه لا يمانع ترئيسه ولا حتى يعارض التفاهم الحاصل بين بيت الوسط وبنشعي بعدما قطع شوطاً لا بأس به من التطبيع بين الفريقين، فضلاً عن الفيتو السعودي المرفوع بوجه الجنرال.. ما يسمح للقطب الزغرتاوي بأن يتخطى عون في هذه المسألة بالذات.
ويرى هؤلاء أنّ سقوط المبادرة لا يعني أبداً تعويم ترشيح الجنرال ميشال عون ما دام التأييد السني شرطا أساسيا لا يمكن تجاوزه، وبالتالي فإنّ إبعاد فرنجية عن السباق الرئاسي يعني البحث عن خيار ثالث يكون من طينة الشخصيات الوسطية. ولذا يستطردون بالسؤال: هل هناك من مصلحة لـ «حزب الله» بالتراجع من مربّع مرشح من فريقه السياسي الى مربع المرشح الثالث؟ وما هي الضمانات التي سيعّوض بها هذا الانتقال؟ وهل هي متوفرة؟ وهل من مصلحته التضحية بمرشحين أساسيين قد يخسر معهما الجمهور المسيحي؟
إذاً، لا تزال هذه المبادرة صامدة بنظر المتحمسين لها، للأسباب الآتية:
ـ سعد الحريري يرفض السير بترشيح الجنرال لاعتبارات داخلية وخارجية.
ـ «حزب الله» يرفض خيار المرشح الثالث.
ـ الشارع السني لن يهضم ترشيح الجنرال، ولا يبدو أن الحريري قادر على فرض هذا الترشيح بعد الآن.
على هذا الأساس يعتبر هؤلاء أن ارتفاع نسبة التفاؤل العوني في الأيام الأخيرة ليس في محله، خصوصاً أن نتائج الانتخابات البلدية باتت تسمح بتجاوز «تفاهم معراب»، كما يؤكدون.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News