"ليبانون ديبايت"- روني ألفا
احترَفَ رئيس مجلس النواب نبيه برّي صنعةَ صيانةِ الدولَةِ بعد أن كادَت تستحيلُ عجلاتُها الى مقابرَ مطّاطيةٍ وآليّاتُها الى خِرضَةٍ وطنيّةٍ والإصلاحَ السياسيَ والاداريَ فيها الى جثامينَ رسميةٍ محنّطةٍ بانتِظارٍ بلا طائِلْ.
تقعُ أحياناً في التباسٍ فسيحٍ وحيرةٍ "مبَحبَحة": في مبارَزَةِ القاماتِ، من الفارِعُ أكثر؟ الرَّجلُ أم الحركةُ التي ينتمي اليها الرَّجلُ؟ عِنْدَ دنُوِّكَ من المحصِّلةِ بعد تبصُّرٍ وتأنٍّ، تكتشفُ أن الرَّجلَ الذي يُدَوزِنُ التشريعَ والرقابةَ على نهَوَندِ الحِنكةِ، مفرِطٌ في إبداعِ أشكالٍ مدهشَةٍ من متاريس المخملِ؛ يرتدي سترَةَ مواقِفِه مضادَّةً للتراشقِ الأخوي فتصيبُهُ الرصاصاتُ بمفعولٍ خلَّبيٍّ بلا بارودٍ يُذْكَر !
في مراجعةٍ لحقلِهِ المُعجَميِّ تَرَى رجلاً ظريفَ المُحاضَرَةِ، مِلساناً، مفوّهاً بالأصغَرَين عند احتِدامِ النِّزالِ بين الصِّراطِ والمتاهةِ،فتَراهُ يسلِكُ الأوَّلَ ولو على اضطرامِ الجمرِ ويَعرِضُ عن الثانيةِ ولو على وثيرِ الوسائد.
هي السادسةُ ولايةً بعدَ ستٍّ وعشرينَ من صولاتٍ خَلَتْ، خاضَها الرئيس بري أو خاضتهُ لا فرق، فتمخّضَ عنها رجلاً تبادَلَ الوفاءَ مع بيئَتِه الحاضِنةِ قبل أن يصبِحَ حاضِناً لها.
لبنان دولةُ رِجَالٍ، الأحزابُ ما زالت تتفيَّئُ زئيرَهُم وتنتظِمُ على مدى استنقاعِهِم في ماء الحكمةِ ومحلولِ الهدوء.
ليس في هذا حكمٌ جائِرٌ يستأخِرُ استِنهاضَ مفهومِ الدولةِ بهندامِها الحديث كما صمَّمَتهُ أزياءُ الإفرنج،إنما قراءةٌ وقورةٌ في نبضِ الجماهير التي ما زالت ترفضُ استبدال أغاني فيروز بموضةِ "الراب" تماماً كما ترفضُ استبدالَ الرئيس برّي بفاتناتِ الإخراجِ السينمائي مع الإصرار المُكَرَّرِ على دعمِ سيرِهنَّ الميمونِ على السجَّاد الأحمرِ في "كان".
ثمّةَ إغراءٌ تصعُبُ مقاوَمتُهُ في نخاعِ شوكِ طوائِفِنا فهي مُحِبَّةٌ بفطرَتِها للعِشرَةِ رغمَ بعضِ الأورامِ الحميدةِ ومخاطِرِ السَّحابِ العابِرِ وهي تستَولِدُ بالسليقِةِ رشاقةً ووسامةً سياسيّةً ليست أقلّ اجتذاباً من الأحزابِ المنظّمةِ، والرئيس برّي أحدُ إرهاصاتِها وتجلّياتِها.
سمعتُ على هامشِ الانتخابِ السادسِ هذا من البعضِ تبرّماً علنياً لا يخلو من الإمتثالِ الضمني، ففي حين تعتري الطوائفُ اللبنانيةُ بين الفينةِ والفينةِ لوثةُ الانتفاضِ على ذاتها الحقيقيةِ التي هي ذاتٌ طوائفيّةٌ لا تخلو من الفرادةِ وبهاءِ العيشِ معاً، فتطالبُ بمجتمعٍ معدنيٍ مدنيٍّ (ما زالَ يُرضِعُ مراهقتَهُ حليبَ النضوج) تراها، أي الطوائف، اذا ما سَلِمَتِ الذاتُ مجراها، ترتاحُ لما يمثِّله الرئيس بري في ضمير بيئتِه، تماماً كما تستريحُ كلُّ طائفةٍ في أحضانِ رموزِها، والرئيس بري ضمانةٌ وطنيةٌ لأنه رمزُ بيئتِه أو أحدُ رموزِها الكبار، ولأنه كذلك،يحملُ إسرافاً في الإنفتاح، وإفراطاً في الإعتدال وهذا ما يستحيلُ أن تُنجِزَهُ كلُّ اجتهاداتِ " دالوز" في امتداحِ الدولةِ المدنيةِ المطَرَّزةِ بالخرزِ الفرنسيِّ والأزرارِ البريطانيةِ والأكمامِ الأميركية.
مبروك للبنان، دولةُ الرجال...بالرَّجل نبيه بري!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News