ليبانون ديبايت - عبدالله قمح
من المؤسف أن يتحوّل ملف حادثة «قبرشمون» التي اريقت على تُرابها الدماء، إلى ملف تجاذب بين جهاز أمني ومرجعيّة سياسيّة وإستطراداً جسم قضائي، ما يُنذر بعواقب وخيمة قد تؤدّي بالجريمة لأن تصبح أكبر ضحاياه، مع الأخذ بعين الإعتبار الشروط التي أصبحت متوفّرة لتحوّل الملف إلى مادة خلافات جديدة بين «المثلّث» الذي يَحتدم نزاعهُ في قضايا أخرى.
ثمّة خشية حقيقيّة من وجود مخطّط يرمي إلى تطيير ملف حادثة «قبرشمون» بفعل دخوله «الزاروب» الأمني - السياسي - القضائي، بعدما ثَبُتَ أن الخلاف يدور حول طريقة تحديد أصل الجريمة، هل هي كمين مُنسّق مُعد ومخطّط ومحضّر لهُ سلفاً، أم جريمة عرضيّة اتت بفعل حقن النفوس، ومن خارج أي سياق مرسوم.
وما زادَ الشكوك حول ارتقاء الملف إلى مستوى الخلاف، غير التنازع حول أصل الجريمة، الطريقة التي تُدار من خلالها الأحداث. فالجهاز الأمني الموكل مهام التحقيقات من قبل القضاء، ثمّة شكوك تدور حول قيامه بتسريب «أجواء حول التحقيقات» تخدم كلها فرضيّة دحض وجود كمين مسلح، وتذهب باتجاه تمتين مقولة العمل الفردي، في المقابل، تتمترس وزارة الدفاع خلف مقولة «الكمين» وفق مضبطة الوزير الياس بوصعب.
ثم أن ما يؤسّس إلى زيادة التوتّر، تعامل الحزب التقدّمي الإشتراكي بـ«خفة» حيال مبادرة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بحيث يتبين أنه سلّم الأجهزة الامنيّة 5 مطلوبين فقط من أصل 30 وردت اسمائهم على قائمة المشتبه بهم، ثم أن عمليّة مراجعة الأسماء المُسلّمة، تؤكّد أن ايّاً من المسؤولين الرئيسيين عمّا حدث قد جرى تسليمه.
الطرف الأكثر تطرفاً، يدعي أن ما يُثار حول الجريمة والتلكؤ في تسليم الموقوفين، وتعمّد «جهاز أمني» تسريب «روايات» عبر الإعلام شأنها دحض فرضيّة وجود كمين، يؤسّس لاحقاً إلى توفير أرضيّة قانونيّة تخدم فكرة عدم إحالة ملف الجريمة إلى «المجلس العدلي»، كما يُطالب أولياء الدم، و للمصادفة، يعتقد هذا الجانب أن ثمّة غطاءاً سياسيّاً يميل صوب هذا التوجه، بصرف النظر عن الأسباب التي قد يتذرّع بها هؤلاء من أجل اتخاذ قرار عدم الإحالة.
رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال أرسلان، كان أكثر من عبّر بالأمس عن تخوّفه من سلوك هذا المسرب، عقب مطالبته «كف التزوير والتشويش على عمل ومسار التحقيقات»، كلام تغمز المصادر القريبة من خلدة، أن «المير» قصد به «كل من يُسرّب الروايات إلى وسائل الإعلام، ويصوغ فرضيّات من خارج الأدلّة المقدّمة إلى الجهات الرسميّة».
وكان لافتاً في نفس السياق، مطالبة أرسلان، وزير الدفاع الياس بوصعب، بأن «يقول ما يعرفه وما بحوزته من فيديوهات وشهادات»، رامياً لومه عليه لكونه «لم يدلِ بعد بما سلمناه من أدلة دامغة عن تفاصيل ما جرى من أكثر من كمين مسلّح وبالتالي هو الذي كان موجوداً على بعد كيلومترين من ما حدث».
كلام «المير» يُنبئ بمسار صاخب وتزاحم عنيف سيشهده ملف حادثة «قبرشمون»، بل أكثر من ذلك، يدل من حيث الوقائع إلى نبات صراع أمني قضائي وسياسي على ضفّته، يبدأ من الجهاز الأمني الذي كُلّفَ تولّي التحقيقات، مروراً بوزارة الدفاع بشخص الوزير ولا ينتهي عند المستوى القضائي العسكري الذي يفترض أن تُحال إليه نتائج التحقيقات.
وعلى قارعة الخلاف، هناك من بدأ يجري «عمليّة مسح» لاستبيان الأسباب الحقيقيّة التي تدفع بوزير الدفاع إلى اللوذ بالصمت وعدم تقديم البراهين التي يُمكن أن تُعزّز تقييمه للوضع حول حادث «قبرشمون» وما نشأ عنه إنطلاقاً من اعتباره ما جرى «كميناً مُسلّحاً رمى إلى إغتيال وزيرين في الحكومة».
لا بل هناك طرفاً، بدأ يبني فرضيّات تُساعد في قراءة موقف وزير الدفاع، ثم أنه يتحسّب احتمالات حصول تدخّلات ما، يمكن أن تكون قد أدّت إلى تعديل موقفه، وهذا ما خشاه «المير» فعبّر عنه، خاصة وإن أكثر من تقرير وخلاصة أمنيّة، مصدرها أكثر من جهاز أمني وعسكري، تنقض فرضيّة «الكمين» بسبب انتفاء الدليل الحسي، وتُرجّح أكثر فرضيّة «التصرّف العدواني» من قبل مجموعة موتورة مؤلّفة من مناصرين للحزب التقدّمي الإشتراكي، أقدمت على فعلتها من دون «أمر مباشر».
لكن هذه الفرضيّة، لا تلقى قبولاً في خلدة، التي تُعيد التصويب على «أدلة وبراهين» سلّمتها إلى وزير الدفاع ووضعت صورة عنها في متناول رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، وهي تجمع على فرضيّة الكمين. وتستدل المصادر «الديمقراطيّة» إلى عدّة عوامل ميدانيّة حصلت قبيل حدوث الجريمة ومنها:
- عمليّات التحريض والحقن التي مورست من قبل مسؤولين حزبيين (هناك لائحة بأسمائهم) واستكملت من خلال نائب يتمتّع بصفة وزير.
- العلم المسبق بإستخدام موكب الوزير صالح الغريب لهذا الطريق بالذات للعبور نحو كفرمتى.
- رمي مادتي الزيت والمازوت على الطريق، والهدف إعاقة عبور سيارات الموكب، ما يسمح بتوقفه نتيجة عدم القدرة على الدفع لكون السيارات تصعد بإتجاه الاعلى، ما له أن يُطوّق الموكب بسيارات أفراده.
- إغلاق الطريق بإستخدام سيّارات وآليات.
- حضور السلاح لدى المؤيدين في الميدان وآخرين متواجدين في السياّرات ومنتشرين عبر السطوح. والارتكاز في هذا الاتهام على سرعة استقدام واستخدام السلاح التي واكبت عبور موكب الوزير صالح الغريب.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News