"ليبانون ديبايت" - عماد الشدياق
إبان حرب تموز 2006، كنت أقطن بواحدة من المناطق المرتفعة المُطلّة على الضاحية الجنوبية ومطار رفيق الحريري الدولي. مازلت أذكر الضربة الأولى التي وُجهت للمطار وترافقت مع تحليق منخفض لمقاتلات العدو الإسرائيلي التي أيقظتني من نومي هلِعًا، فهرعت لا إراديًّا الى سطح المبنى لأشاهد منطقة الاستهداف، كأيّ لبناني متهور نشأ في ظل الحرب الأهلية وبات سماع أصوات القنابل له عادة.
أذكر كيف فتحتُ بعد ذلك التلفزيون لأرصد العواجل التي كانت تمرّ أسفل الشاشة. مع تعاقُبِ ساعات النهار، تكثَّفت الضربات وزادت المواجهات ضراوة، قصدتُ أقرب مكان لبيع الإلكترونيات فابتعت لنفسي راديو "ترانزيستور" حجم كفّ اليد يعمل ببطاريتين صنف AA ليرافقني أينما أتنقَّل حرصًا على متابعة الأخبار مع انقطاعِ التيار الكهربائي (على غير عادة طبعًا!). هذه باختصار كانت وسائلنا المحدودة والمتواضعة لإستقاء المعلومات عشية الحروب المشؤومة في حينه.
اليوم، باتَ الأمر مختلفًا عمّا سبق بفضل الهواتف الذكية وتطبيقاتها. قبل نحو يومين، نقل حساب "World index"، في تغريدة عبر "تويتر" عن مركز الأبحاث الأميركي الشهير بالدراسات الديموغرافية وشؤون الانترنت" Pew Research Center" ذو الصدقية العالية، أنّ نسبة اللبنانيين البالغين الذين يستخدمون تطبيق "فايسبوك" هي 68% واستتبعت الصفحة المعلومة بتغريدة أخرى تفيد بأنّ نسبة الذين يستخدمون "واتساب" هم زهاء 84%، وهذا يشير بشكل جليّ، الى مدى تغلغل وسائط التواصل في حياتنا كلبنانيين: من خلالها نتواصل مع الأهل والأصدقاء ونُسيِّر جزءًا كبيرًا من أعمالنا ونتبضَّع، نشاهد المسلسلات الترفيهيّة والعلميّة والبرامج، نستدلّ الى الطرقات والمواقع خلال الرحلات والزيارات، والأهم من هذا كلّه أننا نستقي منها الأخبار ) "فايسبوك"، "تويتر"، "يوتيوب"، "انستغرام"... الخ).
نهاية الشهر الفائت، وفي محاكاة متواضعة لأي حرب مستقبلية قد تنشب ضد إسرائيل، حلّقت مُسيّرتان في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت، فأسقط مواطن الأولى بحجرٍ فيما انفجرت الثانية قبل أن يخرج "حزب الله" متهّمًا العدو بخرق السيادة اللبنانيّة وتغيير قواعد الاشتباك التي أرساها القرار 1701.
كان روّاد مواقع التواصل، يتناقلون فيديوهات التُقِطَت بواسطة الهواتف الذكية للشاب الذي أسقط المُسيّرة يتحدث. حتى المُسيّرة شاهدناها هي الأخرى في فيديو تحلِّق فوق مبنى قبل سقوطها.
تزامنًا أيضًا، كان الناطق بإسم جيش العدو أفيخاي أدرعي ينشر صورًا على صفحتيه عبر "تويتر" و"فايسبوك" لمقاتِلَين في الحزب استهدفتهما غارة في الداخل السوري. صورة الشابين أُخِذَت بواسطة هاتف من داخل طائرة مدنية إيرانية لم يُعرف كيف حصل عليها، ويُرجِّح بعض المراقبين، أن يكون العدو اخترق هاتف أحدهما.
بيان الجيش اللبناني، الجهة المولجة بديهيًّا بشرح تفاصيل ما حصل، بدا مربكًا، فأخفق في مدِّ المواطنين بأجوبة شافية تخبرهم عن مكان انطلاق المُسيّرتين. في المقابل كان روّاد مواقع التواصل يجمعون الصور ويتصفحون عملاق البحث "غوغل" وخرائطه الافتراضية للاطلاع على المسافات التي قطعتها المُسيرتان. بعد ساعات خرج من يخبرنا عن إسم المسيّرة وطرازها ومواصفاتها من وزنٍ وقدرةٍ تشغيلية وحمولة، إضافة الى العلو والمسافات التي يمكن اجتيازها وكذلك الشركات المصنعة لها ولمثيلاتها في الداخل الاسرائيلي وخارجه (قبل ايام تحديدًا حسم الجيش اللبناني فرضية مجيئها من البحر).
بعدها بأيام توعَّد الأمين العام لـ"حزب الله" السّيد حسن نصرالله الاسرائيليين بالرد، فشخصت الأبصار صوب الجنوب، ثم بدأت صفحات غربية تنشر على "تويتر" صورَ أقمار صناعية لما قيل أنها مواقع صواريخ دقيقة تعود للحزب في بعض المناطق اللبنانية، وراحَ رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو يتوعدنا باللغة العربية العامية عبر تغريدات على "تويتر"، فيما عكف الناطق بإسم جيشه (أدرعي) على سكبِ وقاحته "الافتراضية" على الشخصيات اللبنانية منهم راغب علامة، وهي سابقة!
كان مراسلو وسائل الاعلام اللبنانية، يجوبون الحدود بحثًا عن لقطات حصرية للرد المفترض. تزامنًا التقط مراسل إحدى المحطات خلال جولات استعراضية نشرها على صفحات التواصل، صورة بهاتفه لآلية إسرائيلية تحوي دمية على شكل جندي، ضجَّت فيها مواقع التواصل فتأخّرَ مجدّدًا الردّ الذي ترافق مع عدم رغبة واضحة لدى الحزب بفتح معركة ووسط تذمّرٍ جماهيري "افتراضيّ" من عدم اسقاط المُسيّرات التي كانت تحلّق في سماء الجنوب والضاحية. اضطر الحزب الى تسريب حديثٍ شديد اللهجة للسيد، يلجم الأصوات المزايِدة ويشدّد على الأولويات والحسابات لاختيار شكل الهدف وتوقيته.
وبعدما جاء الرد العسكريّ المصوّر (لقطاته مقتضبة لا تظهر مشاهد ما بعد الاستهداف، قابل هذه اللقطات صدمة فيديوهات للبنانيين هربوا من المنتزهات والمطاعم وزحمة سير من اقصى الجنوب الى بيروت)، عادت التأويلات الافتراضية المرفقة بالصور تتحدث عن وجود آليات مُسيّرة مثل الطائرات.
الصحفي نديم قطيش، ناله قسطًا من "الشيطنة" حينما تحدّثَ عن ذلك، فاتُهِمَ بتبنّي وجهة نظر العدو الذي خرج بعد لحظات ليؤكّد أن لا ضحايا في صفوفه ونشر بعد أيام مشاهد لما أسماه "خديعة"، حاول الحزب دحضها بصورٍ لنقل جرحى الى المستشفيات، لكن روايته لم تصمد طويلًا الى أن أطلّ السيد في خطاب نهاية عاشوراء وتحدّثَ عن "جيش هوليوودي يحترف تمثيل الأفلام"، في إشارة تلميحية الى صحة الكلام عن عدم استهداف أحد... إنه زمن الـ"سوشيل ميديا" ذو القواعد واللاعبين الجدد في الحروب والمواجهات!
Share of adults in each country who use Facebook:
— World Index (@theworldindex) September 12, 2019
???????? Jordan: 71%
???????? Lebanon: 68%
???????? Venezuela: 64%
???????? Colombia: 63%
???????? Vietnam: 63%
???????? Mexico: 62%
???????? Philippines: 58%
???????? Tunisia: 55%
???????? South Africa: 47%
???????? Kenya: 35%
???????? India: 24%
(Pew Research, 2019)
Share of adults in each country who use Facebook:
— World Index (@theworldindex) September 12, 2019
???????? Jordan: 71%
???????? Lebanon: 68%
???????? Venezuela: 64%
???????? Colombia: 63%
???????? Vietnam: 63%
???????? Mexico: 62%
???????? Philippines: 58%
???????? Tunisia: 55%
???????? South Africa: 47%
???????? Kenya: 35%
???????? India: 24%
(Pew Research, 2019)