"ليبانون ديبايت" – وليد الخوري
"النعومة" التي طبعت تعاملات وزارة الدفاع منذ أن حلّ الزمن "الأنثوي" عليها تُخفي بين طياتها أسلوباً خشناً. صحيح أن وزارة الذكور في زمانها الأنثوي تتميّز بل تتفرّد في إدارة العلاقة مع مؤسسة الجيش، لكن الصحيح أيضاً أنها دائمة "التكشير" عن أنيابها في ما عدا ذلك من أمور حيوية!
البعض يقول أنه لا بدّ لوزارة الدفاع في جمهورية "الموز" اللبنانية أن تكون مختلفةً، لأن التحديات في هذا البلد تدفع إلى "تلبيس" الوزارة "وجبة" من الأسنان الحادة تتيح لها ممارسة الأسلوب الخشن في القضايا المصيرية، لكن وعلى خلاف ذلك، دائماً ما تُصرّف" الوزارة قدراتها أعلاه بالإتجاه الخطأ، وهذا إنما ينمّ عن سوء التقدير الذي يطبع "سلم" الدولة اللبنانية ككل.
وهذا ينسحب على تقدير الموقف في العلاقة مع روسيا. ففي وقتٍ تندفع موسكو باتجاه تحسين علاقاتها مع بيروت ورفع مقدارها وقدراتها ومستواها إلى حدود الشراكة بين دولة ودولة، تتعامل هذه الأخيرة، أو السلطة السياسية الرسمية فيها، بتجاهل أو إنكار منقطع النظير، وحساباتها دوماً عالقة في شبكة من العلاقات الغربية المتداخلة.
قبل فترة قصيرة، وجهت موسكو دعوةً إلى وزيرة الدفاع (والخارجية) في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر، للمشاركة في "مؤتمر موسكو للأمن الدولي" الذي انعقد في العاصمة الروسية بتاريخ 23/6/2021، وافتتحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكلمة. وقد شارك في المؤتمر أكثر من خمسين مسؤولاً حكومياً من رتبة وزير ونائب وزير دفاع و قادة جيوش وباحثين استراتيجيين ... وعدت الوزيرة –نائب رئيس مجلس الوزراء- بالمشاركة وتلبية الدعوة، وقد بدا للمنظمين أن وزيرة الدفاع اللبنانية، وعلى خلاف المعهود، متحمّسة للمشاركة، وقد وضعت السفارة الروسية في بيروت من جانب موسكو بصورة ذلك، مع إحاطة بضرورة "تمييز" وزيرة الدفاع اللبنانية، رغم أن التعريف السياسي يصنّف عكر على أنها منضوية ضمن شبكة المصالح الأميركية في بيروت.
بصرف النظر عن هذا التقييم، بدأت السفارة الروسية تعاملاتها على أساس أن لبنان سيحضر، وأن تصحيح العلاقة "الحيوية" مع بيروت بشقّها العسكري - الأمني سيدشّن بدءاً من قاعات المؤتمر، وهذا إنما يجرّ إفادةً للبنان. وبينما كانت السفارة تنشط في تأمين مواعيد حضور لبنان، تفاجأت بإبلاغ الوزيرة عكر وقبل أيام من موعد عقد المؤتمر، اعتذارها عن المشاركة، من دون تقديم تبريرات واضحة. ولدى محاولة السفارة الروسية في بيروت إستفسار واستطلاع موقف عكر وأسباب التراجع واحتمال أن يكون لذلك صلة بأمر ما يخص التنظيم، أو نابع من قرار شخصي أم أنه يعبّر عن توجه رسمي لبناني، اكتفت الوزيرة المعنية بالتجاهل التام ولم تقدم تفسيراً واحداً، وأقفلت على مسألة المشاركة أو النية في التعليق على التراجع، ورفضت معاودة التواصل مع الجانب الروسي أو تناول هذه القضية.
وما أثار انتباه المعنيين في روسيا، أن "تعامل عكر الفجّ" مع الدعوة الروسية، تزامن وسلسلة تصرفات "خشنة" يجري التعامل فيها مع المصالح الروسية في بيروت. فشركة "روسنفت" والتي التزمت مشاريع تطوير واستخدام منشآت النفط في الشمال من خلال عقد رسمي مبرم مع وزارة الطاقة، تلاحظ محاولات عرقلة جدية لنشاطها. فحين عزمت على معاودة نشاطها بعد فترة انقطاع قسري سببها "آفة كورونا"، عثرت على ترسبات توحي بتوفر نية وجهود لعرقلتها. فالمعاملات الإدارية التي يُفترض أنها أُنجزت، تبيّن أن الموظفين المعنيين بها من جهة الدولة اللبنانية لم ينجزوا شيئاً، وهم عالقون في الإجراءات "البيروقراطية" وتكرار طلب الملفات نفسها، رغم أنه يفترض أن تكون تلك التفاصيل قد بتّت منذ وقتٍ طويل، ما ولّد شكوك لدى الشركة حيال احتمال تقصّد عرقلتها.
والخفّة اللبنانية تكرّرت حين زار قبل أيام وفد من شركة روسية تسعى إلى إتمام استثمارات في بيروت ضمن حقلي التجارة والطاقة (مساهمة في إعادة بناء مرفأ بيروت، وبناء محطات إنتاج كهرباء). وبدا من خلال طريقة التعامل الرسمية مع وفد الشركة، أن بيروت مكتفية ذاتياً ولا تحتاج العون من أحد رغم أنها تطلبه. وقد لمس الوفد "رعونة" لبنانية في تناول الملفات. أضف إلى ذلك، أن ثمة جهة سياسية وأكثر تقصدت "التنقير" على وفد الشركة، عبر الإيحاء بأنها شركة "وهمية" أُسست قبل مدة وجيزة برأسمال خجول و هدفها الإستثمار السياسي، وقد أوحت تلك التقارير كأن روسيا "تمارس النصب" بحق الجانب اللبناني، وهو ما يسيء إلى العلاقة الروسية – اللبنانية.
وقد سبقت موجة الإضرار بالعلاقات اللبنانية – الروسية هذه، أخرى، تولى تطبيقها بإتقان رئيس الحكومة المكلف (حالياً) سعد الحريري، المُفترض أنه مُصنّف في موسكو كـ"صديق لروسيا". الحريري، وحين كان رئيساً أصيلاً لمجلس الوزراء، مارس عمليات خداع منظّمة بحق موسكو، حين أسر (وهو ما فعلته الحكومات المتعاقبة) إتفاقية التعاون العسكري – التقني بين لبنان وروسيا، ورفض التوقيع عليها أو إقرارها، رغم إسدائه الوعود المستمرة لموسكو بتمرير الإتفاقية!
وطالما أن الشيء بالشيء يُذكر، فممارسات وزيرة الدفاع الحالية زينة عكر، لا يمكن إدراجها إلاّ ضمن نفس السياق، أي الإضرار بالعلاقات الروسية - اللبنانية. كذلك، لا يمكن أخفاء معالم الحضور الأميركي السلبي في الملف. فقرار عكر رفض المشاركة، تزامن وزيارة للسفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا إلى مقر وزارة الدفاع في اليرزة. ولو أن قرار رفض المشاركة نابع من إشكاليات داخلية لبنانية على صلة بعمليات "ترشيد النشاطات الخارجية" ما كانت عكر لتشارك في مؤتمر "التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش" تحت قيادة الولايات المتحدة والذي عقد في العاصمة الإيطالية روما بتاريخ 28/6/2021، ما نمّى الشكوك حيال أن وزيرة الدفاع غدت أسيرة "العباءة الأميركية". فهل أن الأميركيين جددوا ابتزازهم للبنان في حال المشاركة، فقضى الأمر أن تنصاع الإدارة اللبنانية؟ وهل من مصلحة لبنان إغضاب دولة تقع عند حدوده وتبدي استعداداً لدعمه؟
بيت القصيد، أن عكر كان في متناولها فرصة ذهبية لإذابة الجليد المتراكم على طريق تعزيز العلاقات بين الجانبين اللبناني والروسي لكنها فضلت التخلي عنها. يقول ديبلوماسي روسي عتيق من باب النصيحة والعتب: كان يجدر بوزيرة الدفاع اللبنانية أن تُصارح الجانب الروسي بخلفيات قرار عدم المشاركة عملاً بقاعدة الإحترام المتبادل، وكانت موسكو لتفهّمت حساسية الوضع اللبناني و "صراحة الوزيرة"، لكن ما لا يمكن تفهّمه، التعامل مع موسكو المصنّفة ضمن الدول العظمى بخفّة سياسية وبأسلوب أقرب إلى التحقير، وعدم الإلتفات إلى أن الاستمرار باعتماد هذا الأسلوب قد تنتج عنه ردود فعل ليست من مصلحة بيروت.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News