"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
معروف عن "حزب الله" الدقّة في نسج علاقاته السياسية. تعلّم هذا "الكار" من باع إيراني طويل في "حياكة السجاد"، الحرفة التي تحتاج إلى صبر وبرودة أعصاب، وكان الحزب يتمتّع بسمة بارزة على مستوى "اللعبة" السياسية الداخلية: بعد نظره. شكّل له ذلك "بصيرة" مجيّرة في خدمة نسج أي علاقة. من هنا، كان الحزب يلوذ عن العلاقات المدرجة في خانة "زواج المصلحة" ولو كانت شرعية.. رغم ذلك، التفّ على نظرياته السائدة والمعمول بها منذ تأسيسه، و "حاك" علاقة مع رئيس تيّار "المستقبل" سعد الحريري، ثَبت لاحقاً أن هذه "الإستدارة" لم تكن محل تقدير من جانب الطرف الآخر.
في الواقع، "حزب الله" لا يندم على أي علاقة ينسجها. "الجماعة" متصالحون مع أنفسهم على الرغم من كل المرارة التي قد تتركها أي علاقة. في النتيجة، نحن في لبنان حيث لا شيء ثابتاً إطلاقاً، حتى العلاقات تخضع لنظرية الجاذبية.
يسود تقدير أن الحزب، وفي ضوء هجمات الرئيس الحريري الأخيرة المتكرّرة عليه وانتظاره له عند "الكوع"، يكون قد أخطأ في تغنيجه وتدليعه أو في تقدير موقفه من العلاقة معه، إلى حد "أزعل" و "أزعج" الكثير من الحلفاء. لكن للحزب عادةً رؤيته المختلفة. هو يعلم أن سعد الحريري هو سعد الحريري، وبالتالي "لن يغيّر جلده"، ولم يكن الحزب يتوقع ولا في أي لحظة، أنه ومن خلال علاقة مع الحريري بمعية رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن يبادر إلى نيل ما يمكن أن يسميه "تفويضاً منه"، أو يُعدّل في رأيه السياسي، أو يجده حليفاً أقرب مثلاً إلى حلفه مع "التيار الوطني الحر" أو حركة "أمل"، إنما لم يكن مطلوباً أكثر من "درء الفتنة" ومساعدته! والحزب ليس بحاجة إلى تفويض سياسي من أحد ما دام أن تفويضه مردود إلى ثقل شعبي وحضوره سياسي معلومٌ درجته، لكن كنا ننتظر من الحريري "بعضاً من الوفاء".
في الواقع، أثبت الحريري في السياسة وطوال فترة وجوده في هذا الحقل أن يحب المراهنات ويسعى خلفها، ويظن أن السياسة طاولة مستديرة. يأخذ من طرف سياسي ما يُناسب مصالحه، وحين يفرغ من ذلك يتركه. حدث سابقاً مع "القوات اللبنانية" (دعك من قضية الموقف من احتجازه في السعودية فالموضوع أشمل)، وحدث لاحقاً مع الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، وكاد أن يحدث بصورة مشابهة مع الرئيس نبيه بري لولا استدراك أمره، وكرّر فعله مع "حزب الله" لكن على نحوٍ فيه مفارقة كبيرة، وليس مضموماً ألا يكرّره مع آخرين مستقبلاً، ما يعني أن الحريري "ليس مضموناً" كحليف سياسي لأي طرف.
عملياً، كان "حزب الله" يجد مصلحة في دعم زعامة سعد الحريري في وجه تمدّدات تجري من محيطه وغيره، وقد سلّم بها ـ أي العلاقة - رغم اعتقاد ضمني لديه أن "الفاشل فاشل"، والدلالات تكفي. وكان تبدّى لدى الحزب وما زال، أن الهجمة على الحريري من محيطه كبيرة وقد يكون لها أثرٌ في حال حدث أي تغيير في معادلة الزعامة ضمن الطائفة السنية الكريمة. ومع احتمال وصول "معادين راديكاليين للحزب" يصبح كل مسار "وأد الفتنة" بين السنة والشيعة المعمول به منذ سنوات بلا أي نتيجة تُذكر. وعلى مبدأ أحلاهما مرّ، ركن الحزب في المفاضلة بين الشقيقين سعد وبهاء إلى الأول!
لكن كيف ردّ الحريري ذلك؟ حاول أن ينهل من الحزب ما استطاعَ إليه سبيلاً. في مجال تأليف الحكومة، جلسات المعاون السياسي للسيد حسن نصرالله، الحاج حسين خليل تتحدث عن نفسها. ولو قُدّر لهذا الأخير أن يسرد ما كان يحصل، لكان نطق بمجلّدات من لذّ وطاب. هذا كله، لن يستطيع الحريري إخفاءه أو محو أثره من الوجود عبر تغريدات تتضمن الكثير من مفردات "التسييف والتدليس" وتقديم أوراق الإعتماد لصالح دولة تنبذه، والنصيحة للحريري في هذا المقام أن يعدّل عن ذلك بحكم أنه بات في آخر سلّم اهتماماتها.
في الواقع، إن ما تيقّن به غيره من عدم نجاحه يرفض الحريري قبوله. ما زال الرجل لا يريد أن يتصالح مع نفسه ويقرّ بأن "حزب الله" لا يُمكن أن ينجز انقلابه عليه في السياسة أو أن في استطاعته أن يُرشّد حضوره. لو كان الحريري يقوى على الترشيد لكان خفّف من بريق خصومه المنتشرين حوله كالفطر. في النهاية، "حزب الله" ليس "التيار الوطني الحر" الذي "ركّب" مع الحريري "منظومة مصالح" ثم انقلبا عليها سوياً. وربطاً بذلك، ثمة من لا يريد الإعتراف بأن بيئة الحزب لن تنقلب عليه، وإلى حينه يرفض وضع بعض الآليات المعتمدة في محاولة تقليب البيئة جانباً، ولعلّ مجالس عاشوراء بكل ما فيها من إجراءات صحيّة صارمة وما سبق وسُجّل في أكثر من مكان، من إطلاق الصواريخ على مزارع شبعا إلى حادثة شويا وقبلها خلدة، أثبتت مدى التزام البيئة مع الحزب.
في تقدير محيطين بالحزب، أن الحريري هو نفسه، ودائماً ما يكرّر نفسه في أماكن مختلفة. سعد اليوم الذي نجده أشبه بناشط سياسي يُجيد التغريد، قد نعود ونجده غداً مرتمياً بأحضان "حزب الله"، والحزب لن يرفض له ذلك إنما يُدرك أن من يجالسه اليوم سينقلب عليه في الغد. هل هذا عجز أم قصور في النظر؟ لا إجابة عن هذا السؤال. الثابت الوحيد أن الحزب سيبقى أسير الفتنة السنية ـ الشيعية، ولن يغادرها طالما أن المتربّصين بها كثر!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News