"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
كل المؤشرات الحالية، تؤكد، أن اقتراحات مُعالجة الشغور الزاحف باتجاه قيادة الجيش قد سقطت، أهمها أن تتولى الحكومة تعيين رئيس للأركان حصراً من ضمن اتفاق بين أقطابها. وهكذا، يُقبل الجيش على احياء عيده الـ78 وهو مطوّق سياسياً وملاحقة قيادته قانونياً، مهدّدة هيكليته بشغور هرمي لا سابق له، والأخطر، تعدّد الإجتهادات حول صاحب الحق بالأمرة العسكرية على الأركان، في ظل أوضاع خانقة مالياً جعلت من العسكريين يقاتلون على جبهتين: الجهاد في سبيل تأمين لقمة العيش والسعي لحفظ الأمن!
ما أوصل الأمور إلى هذه الدرجة، لا يعود إلى ارتفاع حدّة المواجهة بين وزارة الدفاع وقيادة الجيش فقط، إنما تتحمّل التدخلات السياسية و "العقلية العسكرية" جزءاً أساسياً من المشكلة.
المنحى الذي سلكته المواجهة تلك، والنتائج السلبية التي ترتّبت عن آخر محاولة اجتماع بين "الوزير والقائد"، أدّى إلى استصعاب مراجع معاودة التدخل بينهما، لتسقط المحاولات الاخيرة التي جرت لتأمين اتفاق شامل يذهب على ضوئه وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم، إلى رفع اقتراح لمجلس الوزراء بتعيين رئيس للأركان بناء على اقتراح قائد الجيش العماد جوزف عون، كي يُتاح لرئيس الأركان تولي إدارة شؤون الجيش عندما يُحال قائده إلى التقاعد مطلع شهر كانون الثاني المقبل. ما زاد الطين بلّة، بحسب مراجع، لجوء وزارة الدفاع الى ملاحقة قيادة الجيش أمام المؤسسات الرقابية من ديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام رداً على ما تقول انه "إستمرار قيادة الجيش في مقاطعة وزارة الدفاع في الكثير من الأمور الإجرائية، وعدم اطلاعها على مضمون الإتفاقات التي تجريها بالتراضي مع شركات متعدّدة كما ينص القانون، وتجاهل الرد على المراسلات الرسمية التي يبعث بها الوزير"، مع الإشارة إلى أن قائد الجيش نُصح كثيراً أن يتولى إبلاغ وزير الدفاع بنفسه حول مضمون الإتفاقيات أو من خلال مراسلات رسمية، لكنه أبى ويرفض باستمرار.
هذا الجو، دفع بوزير الدفاع إلى استغلال كل ما يجري، والتمترس خلف مرجعيته السياسية، ورفض ليس فكرة معاودة الإجتماع مع قائد الجيش فقط، إنما اعتبار نفسه غير معني بأي اقتراحات تتعلق بتعيين رئيس للأركان تأتيه من "القائد"، مع حرصه على تذكير سائليه دوماً أن لديه "خططاً جيدة وجاهزة" لمعالجة المشكلة، سيتولى الإفصاح عنها حين يحين وقتها.
إلى جانب عقبة العلاقة الجدلية بين وزير الدفاع وقائد الجيش، ثمة سبب إضافي وكافٍ يُعرقل إحتمالية التعيين داخل مجلس الوزراء. فعدا عن موقف "التيار الوطني الحر" الرافض لفكرة المشاركة في جلسة حكومية في الأساس، هناك "حزب الله" الذي تجاوز مبدأ التعيين في الحكومة لاعتبارها واقعة في تصريف الأعمال، وساهم في تغطية حلّين واردين في القانون في موقعين شابهما الشغور (المديرية العامة للأمن العام ومصرف لبنان)، وهو في وارد اتباع الطريقة ذاتها، من دون التعريج على الحكومة، بالإضافة إلى كونه ما زال راغباً في تسليف مزيد من المواقف للمسيحيين.
على النقيض من ذلك، يبدو أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، يُحاول معالجة الأمور على طريقة "تدوير الزوايا". وتشير معلومات خاصة بـ"ليبانون ديبايت"، إلى أنه تمنى على رئيس ديوان المحاسبة القاضي محمد بدران مؤخراً، التريّث في شأن المراسلات التي وردته من وزارة الدفاع، وتتضمن دلائل ووقائع حول مخالفة قيادة الجيش للقانون لناحية إبرامها عقوداً من دون اطلاع الوزارة عليها، وتعمّدها عدم الردّ على مراسلات الوزارة في هذا الشأن، من بينها "إنجاز صفقة رناجر" عسكرية أخيراً، إفساحاً في المجال أمام الوساطات.
في السياق نفسه، أفاد مصدر كبير لـ"ليبانون ديبايت"، أن رئيس هيئة "الشراء العام" الدكتور جان العليه، يعمل بالموازاة على خط "التهدئة". وكان قد التقى بقائد الجيش العماد جوزف عون الأسبوع الماضي، محاولاً الإستفسار منه حول مضمون ما وصل إلى "الهيئة" من وزارة الدفاع، ويتعلق بمخالفات تقدم عليها قيادة الجيش. وفهم أن العلّيه نالَ أجوبةً من "القائد" أفادته في درس ما وصله من الوزارة. وقيل (كما نقل عن متواصلين مع العليّه) أن بعض الإتفاقيات التي أبرمتها قيادة الجيش "لا تخالف القانون".
لكن يبدو أن وزارة الدفاع تقف في المرصاد في مواجهة تلك التحرّكات. إذ ينقل عن مقرّبين من الوزير، أنه ماضٍ في ملاحقاته المتعلقة بالإتفاقيات، وسينفّذ القانون في حال استمرار القيادة في "سياسة تجاهله". وفي هذا الصدد، علم أن الوزير سليم، توجّه الأسبوع الماضي بمراسلات جديدة إلى هيئة الشراء العام، تضمنت معطيات حول نحو 20 إتفاقية بالتراضي عقدت بين صيف 2022 وربيع عام 2023 بين قيادة الجيش وشركات تبلغ قيمتها نحو 40 مليون دولار أميركي، لم تمرّ في وزارة الدفاع أو يبلّغ عنها الوزير، كذلك يرفض قائد الجيش الردّ على مراسلات الوزارة للإستفهام منه حولها. تقول المصادر، أن أخطرها ما يتعلق ببيع قيادة الجيش أسلحة فردية قديمة من دون الرجوع إلى الوزارة. الخطير في هذه النقطة تحديداً، ليس حصول البيع بمعزل عن علم الوزارة، أو أنه لم يراعِ مسألة الأسعار التي تراوحت بين 30 و 50 دولاراً أميركياً لقاء رشاش "الكلاشنكوف" مثلاً، إنما اعتبار وزير الدفاع أن تلك الأسلحة عبارة عن "مال عام" كون القانون ينظر إلى الهبات بصفتها مالاً عاماً، وبالتالي، لا يجوز التصرّف بها من خارج الآليات القانونية المعروفة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News