"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
عندما أصدرت السفارة السعودية في بيروت بيانها الشهير قرابة منتصف ليل الجمعة ـ السبت، ودعت خلاله مواطنيها إلى مغادرة الأراضي اللبنانية "على وجه السرعة"، حضر تشخيص أولي مفاده أن "ثمة شيئاً ما دفع بالمملكة إلى إصدار البيان في مثل هذا الوقت المتأخر"، ما دفع بكثيرين إلى قطع سهراتهم والتواصل من أجل فهم ما يحصل، وإذا كان ثمة حتمال ولو ضئيل بوقوع "أحداث أمنية". لاحقاً، ومع اتضاح الصورة، ساد اعتقاد لدى هؤلاء أن "دوافع سياسية" تقف خلف البيان في الدرجة الأولى.
الإعتقاد السائد أن السعودية احتاجت حدثاً في الداخل اللبناني كي يشكل لها مبرّراً من أجل إنجاز "استدارة تكتيكية" مرتبطة باستدارة أخرى تحدث في الإقليم، الهدف منها زيادة نسبة الضغط في الساحة اللبنانية. ولفهم طريقة عمل العقل السعودي، يجب مراجعة التطورات الأخيرة في مسار "اتفاق بكين" بينها وبين طهران، وتصاعد الإشتباك مجدداً في اليمن، وصولاً إلى سوريا والعراق. ولا بدّ بالتالي، أن يكون لبنان في صلب دائرة التأثير.
عملياً، يحتاج الوضع اللبناني إلى خضّة حتى يتحرّك، وهذا التشخيص تقف السعودية خلف تسويقه وتبنّيه. وخلال الإجتماع "الخماسي" الذي استضافته الدوحة منتصف الشهر الماضي، أرادت السعودية من خلال ممثلها في اللقاء المستشار نزار العلولا، القيام بخطوة من شأنها تحريك الوضع اللبناني. فاقترح تبنّي "رزم ضغط" تبدأ بتهديدات بفرض عقوبات على شخصيات، وتصل في مرحلة لاحقة إلى إصدار قرارات بمنع السفر إلى لبنان. لهذا مثلاً، فضّلت الرياض أن تبقى صامتة طيلة جولة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان الأخيرة، واختارت رصد الحركة الداخلية، ورصد مدى احتمالات نجاح التفويض الفرنسي الجديد وانتظار نتائجه. وليس سراً أن الرياض، وغيرها، رصدوا أن باريس ليس في مقدورها أكثر من جمع القادة اللبنانيين على طاولة واحدة، من دون برنامج عمل يستهدف في نهاية المطاف الوصول إلى قرارات.
إذاً، يُفهم أن السعودية قد قررت، وقبل عودة لودريان، تحريك "حجر" على الرقعة اللبنانية لتأمين ظروف "خضّة". وهذا الإجراء لم يأتِ بمعزل عن موقفي الولايات المتحدة وقطر، المتوجّستان تحديداً من حظوظ قائد الجيش العماد جوزاف عون في أي جولة رئاسية مقبلة. وهنا، ثمة من يؤكد أن الدولتين وإلى جانبهما الرياض، تسعيان إلى تأمين أجواء مناسبة للعماد عون منذ الآن وحتى شهر تشرين الأول (أو الثاني) المقبلين، بوصف هذه الشهور الأهم بالنسبة إلى محاولات إيصاله لسدة رئاسة الجمهورية.
ولعلّ هذه الأطراف، وتحديداً الولايات المتحدة وقطر، تتوجّسان أكثر مما يحكى في الداخل اللبناني حول مصير جوزاف عون، ورغبة بعض الأطراف في "تمييع" القضية، وصولاً إلى موعد إحالته إلى التقاعد، فتنتفي مع خروجه الظروف الطبيعية التي جعلت منه مرشحاً. وثمة من يعتقد أن الأميركيين مستعدون لدعم تأمين ظروف تمديد "إستثنائي" لعون رغم إدراكهم صعوبة ذلك، مخافة أن تضيع فرصته في الرئاسة.
وإلى هذا الجانب يُضاف آخر، فالحديث الدائم والدائر أخيراً حول مصير قيادة الجيش في حال إحالة قائده إلى التقاعد لا توحي بالطمأنينة بالنسبة إلى الأميركيين والقطريين. فكلاهما يدعمان الجيش اللبناني في الظرف الحالي، مالياً ولوجستياً، ويريدان المحافظة على طبيعة القيادة الهرمية الحالية، ولا يتمنّيان أن يرتمي الجيش في أحضان "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"!
أكثر من ذلك، هناك من يعتقد أن الحملات الجارية عبر البيانات السعودية والأميركية، لا هدف لها سوى إرساء ضغط على شخصيات محدّدة في الداخل اللبناني. فالأميركيون لا يريدون أن تذهب قيادة الجيش في ظل الواقع الحالي إلى ضابط قريب من ثنائية "التيار ـ حزب الله"، وفي تقدير المتابعين، أن المقصود عضو المجلس العسكري بيار صعب، والسعوديون يريدون تسخين الأوضاع علّهم يعزّزون من شروطهم. وعلى اعتبار أن البيانات الأميركية توجّه بشكل مباشر إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، فتصفه تارةً بأنه "امتداد لحزب الله"، وتارة أخرى بأنه "شريك في عرقلة جهود انتخاب الرئيس"، تبقى البيانات السعودية هي الأداة التنفيذية التي ستأخذ لبنان إلى فترة ساخنة.
في الواقع، سبق للأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله، أن تحدّث أخيراً خلال حفل تأبين الشيخ عفيف النابلسي، عن أدوار تتولاها الولايات المتحدة هي أقرب إلى ممارسة ضغوطات وفرض وصاية. من جملة ما تطرق إليه، أن المطلوب اليوم (بالنسبة للأميركيين وغيرهم) أن يذهب الإتهام في انفجار مرفأ بيروت عام 2020 باتجاه فريق سياسي مُحدّد ومُعيّن، بأشخاصه ورموزه، ممّا يعني أنه انتقل التوظيف السياسي لهذه المصيبة من "حزب الله" إلى فريق سياسي آخر"، وهذه الإشارات واضحة ويقصد فيها تحديداً رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ولم يعد سراً أن "الثنائي الشيعي" تحديداً، يشعر بوجود محاولات لعزله، بدأت في موضوع المرفأ، وأضيف إليها مؤخراً ملف رئاسة الجمهورية والتلويح بفرض عقوبات على الرئيس بري شخصياً، وهي رغبة دفينة وقديمة في عزل أي تأثير للمكون الشيعي. وقد ربط في سياق هذا التوجّه، زيارات "الوشاية" التي يقوم بها بعض النواب، سواء إلى واشنطن أو إلى عواصم أوروبية.
الأمر الثاني ما ترتّب عما قبل وما بعد أحداث عين الحلوة. ففي إشارة السيد نصرالله الأخيرة حول إقحام قنوات تلفزيونية للحزب في تحمّل مسؤولية المعارك، أو الوقوف خلفها وتغذيتها، رغبة واضحة في تسعير فتنة "سنّية - شيعية"، عبر الدلالة إلى الحزب (واستطراداً حركة أمل)، بأنه يدعم فئة "سُنيّة" على أخرى، أو أنه يشارك في إحداث فتنة بين قوى "سُنّية" مختلفة داخل المخيم.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News